اليومان الماضيان امتلآ بالتعبير عن تقدير مجتمع البحرين لما قدمه الأديب والروائي البحريني المعروف محمد عبدالملك على مدى أربعة عقود ونيف، حيث نظمت أسرة الأدباء والكتاب ومركز عبد الرحمن كانو الثقافي أمسيتين لتكريمه، الأولى أقيمت مساء الاثنين بمقر الأسرة استعرض خلالها ثلاثة من الدارسين من البحرين والعراق والمغرب دراساتهم النقدية التي تناولت النتاج الأدبي المميز للأديب، والثانية أقيمت مساء الثلاثاء بمركز كانو حيث تم تكريمه وسط حضور مميز جاء ليقول له بعيون ملؤها الحب وبهدوء يشبهه.. شكراً يا محمد عبدالملك.
العلاقة الطويلة التي تربط مجتمع البحرين بالقصة والرواية تجعله مجتمعاً عارفاً برسالة الأديب والروائي ومقدراً لمهمته، فهذا المجتمع يعرف أن الروائي إنما يستقي موضوعات رواياته منه وأنه يؤثر في حركته ويتأثر به وأنه لولا هذا لما تمكن من التعبير بصدق عن أحاسيسه ومواقفه، دون أن يعني هذا أن الرواية مرآة تعكس الواقع الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي في المجتمع، فالعاملون في مجال الأدب والرواية يجزمون بأن الرواية تصنع الواقع وتقدمه للقارئ بطريقة مغايرة لما هو عليه ولكنها في نفس الوقت تعبر عنه.
ولأن من مهام الرواية «إثراء ذائقة القارئ وتعزيز فهمه للحياة عن طريق بنائها الفني والاجتماعي» كما يؤكد المختصون، لذا فإن الجميع يتفق على نجاح عبدالملك في مهمته التي يمكن التعبير عنها بصيغة أخرى والقول كما عبر عن ذلك روائي عربي إن «اهتمام الروائي ككاتب منصب على الإصغاء لحركة المجتمع، وترك الحياة تجيب عن أسئلته، وتسعفه بموضوعاته التي يصوغها لقارئه».
ومع هذا لا بد من الاعتراف بأنه لا يوجد روائي في البحرين أو في الوطن العربي تمكن من تناول موضوعاته بحرية كاملة حيث تظل هناك دائماً قيود اجتماعية تمنع من الخوض في ما لا يزال يعتبره المجتمع تطاولاً على العادات والتقاليد والأعراف فيضطر الروائي إلى عدم تناول قضايا سياسية واجتماعية معينة خصوصاً إن كانت محل جدل ولا يجد سبيلاً إليها إلا عبر ليّ عنق الكلمة والإسقاط، عكس الكاتب في الغرب الذي لا يواجه أية قيود في الكتابة فيعبر عن مجتمعه وعن نفسه بسهولة ويسر. الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية – حسب أحد الأدباء - أسوأ مما تقدمه الرواية وأكثر سوداوية، ولكن «مهمة الروائي العربي هي كشف المستور وتحدي الواقع».
لو سألت أي دارس في الأدب عن مهمة الكاتب الروائي لقال لك ببساطة إنها «أن يعرف كيف يقرأ المجتمع عن طريق اللغة»، لهذا فإن «الكاتب قد يجمع مادة تاريخية كبيرة وعلى مدى سنوات عديدة لكنه عندما يبدأ الكتابة يتجاهل كل تلك المعلومات التاريخية لمصلحة صياغته الأدبية»، كما يقول آخر.
ما ظل يقوم به المبدع محمد عبدالملك على مدى تلك العقود هو باختصار «التقاط الظواهر الاجتماعية والسياسية في المجتمع وإبرازها كما هي بصدق من دون إغفال النواحي الفنية اللازمة للعمل الإبداعي».
لعل المعلومة التي لا يعرفها الكثيرون عن عبدالملك هي أنه يحرص على التواجد في الأسواق وأماكن التجمعات، يتفرس الوجوه ويلاحظ حركة الناس وتصرفاتهم ويدرسها، ليتمكن من التعبير بصدق عن الشخصيات التي يكتب عنها، فهو يعرف مهمته بدقة ويهتم بتوظيف قدراته وأدواته.
ربما تأخر مجتمع البحرين قليلاً في الاحتفاء بهذا الأديب لكن نية تكريمه ظلت متوفرة دائماً ويعلم أنه يستحقها، فهذا المجتمع وفيّ بطبعه لكل صاحب قلم وفكر ولكل مبدع، ولهذا فإن الجميع يتساءل مبكراً عن الأديب الثالث الذي سيتم تكريمه من قبل هاتين المؤسستين الثقافيتين ولجنتهما الأهلية بعد تكريم الروائي والمفكر الراحل عبدالله خليفة والروائي المبدع محمد عبدالملك.