ندخل كدول خليج عربي بالإضافة لبعض الدول العربية مع الجمهورية الإيرانية «منعطف طريق» حاسم في تعريف العلاقة التي تربطنا بها.
في السابق يمكن رصد العديد من الدعوات الصادرة من قبل دول الخليج العربي لإيران بأن «تحترم الجيرة» وأن «تكف يدها عن التدخل في الشؤون الداخلية» وأن «تثبت حسن نوايها»، وذلك في إطار وصفها بـ«الجارة» في المنطقة.
لكن بحسبة تاريخية وحديثة لنوع الممارسات التي تطال الخليج العربي من قبل إيران، فإن وصف «الجارة» لا يعتبر وصفاً صحيحاً، فالجار، النظرة العامة له تتمثل بكونه جاراً طيباً، تربطك معه علاقات أخوية وثيقة، هو يفزع لك ويتداعى لحمايتك وصون دارك وممتلكاتك، والجار الصالح أبداً لا يطعن جاره في ظهره أو يعتدي عليه وعلى ممتلكاته أو يطمع فيها. فهل كل هذه الأوصاف وجدت في إيران كجارة؟!
إن كانت من إيجابيات في العلاقة مع إيران تعود على دول الخليج العربي، فإنها بالكاد تكون قطرة في محيط مشحون بالسلبيات والأضرار التي طالت بلداننا.
المخططات التوسعية في المنطقة بدأتها إيران منذ منتصف القرن الماضي، ومضت فيها بقوة مع قدوم الخميني، وهي مستمرة ليومنا الحالي، والأمثلة الحية بنفسها تتحدث، فهاهو العراق الذي كان يوماً من الأيام «شوكة حادة» في حلق إيران، نجحت الأخيرة اليوم في ابتلاعه بلعاً، وحولته لدولة ممزقة الأطراف، من يديرها إنما هو يديرها لمصلحة «الولي الفقيه»، ولا يمكنه أن يشذ عن طريقه وتوجيهاته.
لبنان والتي كانت في يوم من الأيام جنة سياحية للعرب والغرب، هي الآن محتلة الجنوب بالكامل من قبل تنظيم «حزب الله» الإرهابي والذي لا يتردد في ذكر التعريف الكامل له، باعتباره الذراع العسكري لإيران.
سوريا وما يتواصل حصوله فيها من مجازر وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بمباركة المرشد الإيراني ودعمه اللا محدود لعميله وتابعه الجزار بشار الأسد، وبتنفيذ إجرامي من قبل «حزب الله» بقيادة الإرهابي حسن نصر الله، بأسلوب يفوق حتى الأساليب الإجرامية لتنظيم الدولة «داعش» الإرهابي، فالأخير وإن أضاع أوقاتاً في تنفيذ إعدامات للاستعراض الإعلامي، فإن «حزب الله» ليس لديه وقت للتصوير والمونتاج والإخراج والقيام بالدعاية الإعلامية، هو يقتل العشرات يومياً في سوريا، ويشرد المئات بشكل يومي من هذا البلد الذي حولته الأيادي الإيرانية بمرشدها وعملائه إلى دولة أشباح.
اليمن ومحاولات التغلغل فيه والسيطرة عليه ليكون رابع دولة عربية تبسط إيران نفوذها عليه، والحمدلله فإن تدخل قوات التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية حال دون ذلك، ومنع أن يكون الخليج العربي بعمقه الاستراتيجي ودوله واقعاً بين فكي كماشة إيرانية من الشمال والجنوب، تمهيداً لمرحلة أكثر خطورة تتمثل بإطباق الفكين.
هذا إضافة لمحاولات زراعة العملاء في دول الخليج، تجنيد الطوابير الخامسة، وإخضاعها للتدريب في إيران والعراق، وإمدادها بالسلاح والعتاد الذي يتم تهريبه، مع وضع الخطط العديدة لكيفية الدخول لدول الخليج وضرب أمنها القومي، وصناعة الشرخ الطائفي بين شعوبها، والاستهداف الصريح للأنظمة الشرعية والدعوة للانقلاب عليها.
بالتالي، كل هذه الأمور إن كانت تصدر من دولة واحدة تجاه دول عديدة تحيط بها، ولديها مصالح مشتركة يفترض، هل يعقل أن يتم الاستمرار وصفها بـ«جارة» أو «صديقة»؟!
إيران كشفت عن عدائها منذ زمن طويل جداً، وكنا نحن أهل الخليج الطيبين معها، المتسامحين مع تطاولها، مراراً وتكراراً. كثيرة هي المرات التي افتضح أمر خلاياها، وكشف عملاؤها، وأكدوا بالاعترافات والأدلة أن إيران خلفهم وهي من وجهتهم، ومع ذلك كانت العلاقة الدبلوماسية تستمر، أو تجمد فترة ثم تعود.
لربما اليوم أدركنا بشكل أكبر أن «مهادنة العدو» لا تفيد، وأن «توسم إصلاح العلاقة» من جانبه ضرب من المستحيل والجنون، وعليه فإن القاعدة الأصيلة تقول بأن «العدو يظل عدواً»، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
هنا تكون الخطوة التي اتخذت بداية من المملكة العربية السعودية وتبعتها مملكة البحرين ومن ثم دول الخليج وبعض الدول العربية والإسلامية، خطوة في الاتجاه الصحيح، تبدأ بتصحيح التوصيف الذي نطلقه على إيران، فهي دولة عدوة، وكل مظاهر العداء ظاهرة فيها ولا تحتاج لفك شفرات.
وعليه فإن هذا الموقف الذي اتخذ موقف تاريخي يسجل للأجيال القادم، ويقدم درساً صريحاً بأن أصحاب المواقف لا يجب أن يأخذهم التردد، لا يجب أن يستمعوا لمن يقول لهم متخوفاً بأن المصالح هذه أو تلك ستتضرر، إذ أي مصلحة مع عدو، يبيعني تفاحه، أو خرافه، أو فستقه في الصباح، وفي الليل يهرب أسلحته عبر حدودي من خلال عملائه ليقتلني ويسرق بلادي؟!
لا يصنع المواقف الكبيرة إلا الرجال الذين لا يعرف التردد طريقاً لهم، ومن يضعون المصلحة الأولى بأمن بلادهم وشعوبها فوق أي مصلحة أخرى.