لعل أطرف قول لمسؤول إيراني بغية تبرير الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد هو ذاك الذي صدر عن وزير العدل الإيراني مصطفى بور محمدي حيث قال -نقلاً عن وكالة فارس- إنه «لا يستبعد ضلوع عناصر مندسة في حادث الهجوم على السفارة»، وأعرب عن «استيائه» لما قام به «عدد محدود» من الأفراد في الهجوم على السفارة والقنصلية ودعا إلى «التحلي بالصبر وإدراك الفرصة المناسبة والتقييم الصحيح للأوضاع»، و«الابتعاد عن كل ما يمهد الطريق للعدو في ضوء القيام بتحركات من دون تفكير ولا مسؤولية»، «مرجحاً» أن يكون التحرك الأخير ضد السفارة السعودية «قد جرى التخطيط له مسبقاً ولقي الدعم من جانب عناصر مندسة». وبالتأكيد لا يفوت القارئ ملاحظة عبارة «يمهد الطريق للعدو» حيث القصد منها واضح وهو تعويم ما حدث بالتشكيك في أن الفاعلين أشخاص وافقوا على خدمة العدو الصهيوني الذي يريد أن يوقع بين إيران والسعودية!
أيضاً من الأمور الطريفة في هذا الموضوع «تعهد إيران» في الرسالة التي بعثت بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وشرحت فيها الظروف التي وقعت فيها الاعتداءات على البعثة الدبلوماسية السعودية، تعهدها «باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة.. لمنع تكرار حوادث كهذه مستقبلاً»، من دون أن تنتبه إلى أنها بهذه العبارة تدين نفسها، فطالما أنها تستطيع منع حدوث مثل هذه الحوادث مستقبلاً فلماذا لم تمنعها حاضراً؟
منطقاً لو أن السلطات الإيرانية كانت تريد أن تمنع «المندسين» من «الاندساس» بين المتظاهرين لفعلت، فمثل هذا الموضوع سهل يسير خصوصاً بالنسبة لرجال الأمن في إيران، فهم يمتلكون خبرة واسعة في قمع المتظاهرين الذين يعرفون جيداً أن مخالفتهم لأي أوامر تصدر عن القيادة «المقدسة» في بلادهم تعني نهايتهم.
ما جرى يعرفه الجميع ولم يعد يحتمل التشكيك، شحنوا العامة وحرضوهم وفتحوا أمامهم الطريق ليصلوا إلى مبنيي السفارة والقنصلية في طهران ومشهد، ودسوا بينهم عناصر من «الباسيج» كي يقوموا بالمطلوب، ثم عندما لم يجدوا مبرراً قالوا إن الموظفين بالسفارة هم الذين قاموا بإشعال النار فيها! ثم عندما لم ينفع هذا المبرر الذي لم يصدقه أحد بالطبع خرج وزير العدل بور محمدي ليدلو بدلوه ويتهم عناصر مندسة «تخدم العدو»، وأرسلت الخارجية الإيرانية رسالة إلى بان كي مون تحاول أن تقنعه بقصة أخرى و«تتعهد بعدم تكرار ذلك».
هذا كله يؤكد من جديد أن إيران تفترض في الآخرين الغباء، وتعتقد أنهم عمي لا يرون، وصم لا يسمعون، وأنه طالما أنها نفت أنه ليس لها يد في ما حدث فإن على الجميع أن يصدقها فهي لا تعرف كيف تكذب ولم يسبق لها أن كذبت! ولولا بقية من حياء لحاولت إقناع العالم بأن كل الذي شاهدوه فيما يخص الاعتداء على السفارة السعودية والقنصلية لم يكن حقيقياً ولم يحدث في الواقع وأنه «شبه» للفضائيات فتناقلته وكأنه حقيقة!
من هنا فإنه لا يتوقع أن تسعى إيران إلى تهدئة الأمور أو العمل على رأب الصدع في العلاقة بينها وبين المملكة العربية السعودية والذي تسببت فيه، حيث ستأخذها العزة بالإثم وستحاول بدلاً عن ذلك إقناع نفسها أولاً بأن ما تردده من كلام غير معقول عن أسباب الاعتداءات التي حدثت على البعثة الدبلوماسية السعودية صحيح وستصدقه وستعمل بناء على ذلك. تماماً مثلما أنها لن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وتوفر لذلك ألف مبرر ومبرر.
الغضب السعودي مبرر، والقصص التي ساقها وزير العدل الإيراني مصطفى بور محمدي ليست مقنعة ولا قيمة لها.