ما قاله المرجع الديني الإيراني ناصر مكارم شيرازي تعليقاً على قطع مجموعة من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران ووصفه لها بأوصاف غريبة، واعتقاده بأن هذه الدول -المقدر موقفها من المملكة العربية السعودية- «ستتوسل لاستئناف العلاقات مع إيران» يدخل في باب ردة الفعل الطبيعية، فكل من يصير في موقف كهذا الذي صارت فيه إيران بسبب تهورها واستمرارها التدخل في شؤون الدول الأخرى لابد أن يقول كلاماً مثل هذا، فليس معقولاً أن يقول عكسه أو يعترف بأنه المتضرر الأكبر من مثل هذه الخطوة.
«الساعة المباركة»، هكذا يقول كل خليجي رأى ويرى كيف تتدخل إيران في شؤون دول مجلس التعاون ومختلف دول المنطقة وهو يتابع أخبار قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الجارة الضارة أو خفض مستواها واستدعاء دول أخرى لسفرائها ويسمع أخبار العمل على تهميشها وتحجيمها ووضع حد لاستهتارها، ولابد أنه يقول كذلك إن مثل هذا القرار جاء متأخراً، بل متأخراً جداً، وأنه لابد من أن يستمر العرب في موقفهم هذا من إيران وملاليها الذين يعملون من منطلق أنهم الأوصياء على الناس في كل مكان وأنهم حماة الشيعة والمسؤولون عنهم وعن كل ما يحدث لهم في أي مكان وأن من مسؤولياتهم التدخل لفرض ما يريدونه على الدول الأخرى.
اليوم إيران في مأزق، فقد صارت منبوذة من جيرانها ومن كثير من الدول العربية والإسلامية التي عانت منها ومن تصرفاتها «الصبيانية» وصارت في موقف حرج أمام العالم، خصوصاً بعدما دان مجلس الأمن الدولي «بأقصى حزم ممكن» الاعتداءات على البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد، ومع هذا لن تتعض وستظل تدعي وتكابر أن كل هذا الذي صدر ضدها من بيانات وقرارات لا يؤثر فيها وأنه لن يطول الوقت حتى «تتوسل» الدول التي قاطعتها دبلوماسياً لاستئناف العلاقة معها! مؤكدة بمثل هذه العبارات أنها لاتزال دون القدرة على استيعاب الموقف وتطوراته وأنها ستستمر في أخطائها التي لا تحصى وإن أخسرتها العالم كله.
اليوم أيضاً تواجه إيران موقفاً لا تحسد عليه أمام شعبها المسكين والموالي لها غصباً عنه، فهذا الشعب صار يقلق على مستقبله ويتساءل عن كيف يمكن لحكومته أن تدبر أمورها في منطقة كل دولها تنبذها ولا تثق فيها ولم تعد تطيق التعامل معها بعدما زادت أخطاءها ووصلت حد التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.
الأفضل لإيران الآن بدلاً من أن تأخذها العزة بالإثم وتقول «إن الوقت لن يطول حتى تتوسل الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها لاستئنافها» أن تتدارك الأمر وتسد باباً سيأتيها منه الكثير من الوجع، فهناك الكثيرون من بين أفراد شعبها الذين ينتظرون مثل هذه الفرصة ليثوروا على الوضع الذي عانوا منه نحو أربعة عقود ذاقوا خلالها المر بأنواعه، بل لعل ما حدث قد يكون الشرارة التي تفتح عقل هذا الشعب الذي غسلته حكومة الملالي بغية تركيعه وإذلاله وجعله كما البهيمة لا هدف له ولا طموح سوى أن يأكل ويشرب ليظل على قيد الحياة.
القصة ليست قصة قطع علاقات دبلوماسية وسحب سفير وطرد آخر، فهذا أمر قد يحدث في أي وقت ولأي سبب، القصة التي ينبغي من إيران أن تفهمها جيداً هي أن المملكة العربية السعودية وكثيراً من الدول الخليجية والعربية والإسلامية قررت أن تضع حداً لاستهتارها وتجاوزاتها التي لا تتوقف وأن تبين لها أن الأمور لا يمكن أن تسير على الشكل الذي تريده هي فقط ودائماً وأنه لا يمكن لأي دولة مستقلة أن تقبل بتدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية أياً كانت الأسباب وأياً كانت الحجج.