ما يجري من أحداث متسارعة وخطيرة في المنطقة، جعل الأطفال يتكلمون قبل الكبار في السياسة، وبدأ الجميع يدلون بدلوهم فيما يجري، وبدؤوا يحللون ويتنبؤون شكل المنطقة، إلا أمريكا وتوابعها، فهل هذا من المنطق في شيء؟!
لا يمكن أن نستوعب الموقف الأمريكي فيما يجري من أحداث مهمة وحساسة في هذه المرحلة، وكذلك الموقف الروسي ومعه الأوروبي، فأقصى ما يصدر عن تلك الجهات الكبيرة، هي بعض التصريحات الهادئة والعائمة في بحر الأحداث العظيمة التي من شأنها تغيير خريطة الواقع والمستقبل، فآثرت الدول الكبرى الصمت واختصرت مواقفها بتصريحات ساذجة لا تغير مجرى الأحداث أو أنها بمثابة ذر الرماد في العيون.
هذا الأمر، يجعلنا نطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الموقف «الأمريكي الروسي الغربي» من مستقبل المنطقة، وصمت أصحابها المريب حول هذا الأمر، مما يدعنا نشكك في جميع نواياهم، بل ربما نكاد نجزم أن الدول الكبرى قد اتفقت مع بعض القوى الإقليمية في المنطقة على بعثرة كل الخرائط القديمة التي رسمت منذ «سايكس بيكو» ورميها في مزبلة التاريخ، وتغييرها وفق «الإحداثيات» الجديدة ووفق مصالح الدول الكبرى.
لو لم تكن أمريكا ومعها روسيا والغرب مرتاحين مما يجري من أحداث خطيرة في الإقليم، لما صمتوا دقيقة واحدة، بل من المحتم حينها أن يتدخلوا عسكرياً لحرف الأحداث نحو مصالحهم الكبيرة، لكنهم يرون فيما يجري اليوم تطابقاً صارخاً لنواياهم ومخططاتهم السرية الكبرى التي أعدت في مطابخهم الاستخباراتية، وبكل تأكيد ربما يشترك معهم في هذه المؤامرة بعض دول الإقليم والكثير من الجماعات المسلحة، والتي تعتبر اليوم أذرعاً عسكرية حقيقية لهم على أرض الصراع، من الذين نطلق عليهم مصطلح «وكلاء الحروب والنزاعات».
من يرسم شكل الإقليم اليوم، هي الدول الكبرى الصامتة بدهاء الماكر، والدول الحليفة لها في المنطقة، مع أذرعٍ عسكرية مدعومة من جهتهم ومجهزة بالمال والسلاح والعتاد، أما بقية الدول الأليفة ومعها الشعوب الغارقة بالفتن المذهبية والطائفية التي تدخل في نطاق ما يسمى بـ«الربيع العربي»، فإنها ستكون ضحية سهلة المنال لأي تغييرات محتملة في القريب العاجل.
لقد قلناها من قبل، بأن العالم لا يعترف بالدول الضعيفة ولا بالشعوب المتصارعة بطريقة غبية حول أحقيتها في العبادة والعقيدة، بل يعترف بالقوي فقط، ومن هنا ستظل أمريكا وكل الدول العظمى تتجاهل دولاً لا تستطيع أن تستثمر في ثرواتها وإنسانها، ولن تحترم شعوباً تسفك دماؤها من أجل اختلاف فقهي حول طريقة الوضوء، فحين لا نكون كباراً فلا يمكن لنا أن نتوقع بأن يحترمنا الكبار. هذه هي أصول اللعبة الدولية، أما أمريكا وروسيا والغرب، فإن لديهم مصالح مشتركة في منطقتنا فآثروا الصمت المنتج لخياراتهم الاستراتيجية، ونحن قبلنا أن يكون لنا أعداء دائمون، وشعوب غافلة، ولهذا فإن لم نستيقظ فالكارثة ستكون أكبر مما نتوقع.