كنت أفكر في كتابة مقال بعيد عن السياسة -من باب التغيير- ولكنني وجدت أن السياسة لم تترك شيئاً لم تؤثر فيه، ففي النهاية القرارات السياسية تنعكس على الوضع المعيشي وتنعكس بالتالي على شخصية المجتمع العامة والفردية.
أنا من متابعي عدد من «الفاشنيستات» في الإنستغرام والسناب شات وكذلك عدد من البلوقرز الخليجيين المعروفين من السعودية والكويت والبحرين، الملفت للنظر في هذه المتابعة أن هناك ذكاء اقتصادياً ومالياً فطرياً عند بعض شبابنا دفعهم لتحقيق عوائد مادية مجزية وزيادة دخلهم على عكس اتجاه حكوماتنا.. (ها قد عدنا للسياسة).
فهم أولاً عرفوا مواطن القوة والجذب عندهم أي عرفوا المقومات الاقتصادية التي يمكن أن يستثمروا فيها، فعملوا على زيادة عدد متابعيهم أولاً قبل أن يستثمروا حسابهم، وحين ضمنوا عدداً مطلوباً لجذب شركات الإعلان، فتحوا باب الإعلانات التي انهالت عليهم لأن عدد متابعيهم يفوق عدد متابعي أكبر القنوات الفضائية التلفزيونية، وهذا ما يسمى حسن التخطيط والرؤية الاقتصادية المستقبلية الواضحة والواقعية.
بمعنى أنهم تفوقوا على حكوماتنا التي لم تعرف بعد أين هي مكامن القوة في اقتصادياتنا حتى تعرف أين توجهه وتجذب الاستثمار له.
ثانياً نوعوا في اهتماماتهم من طعام إلى مكياج إلى سفر إلى ملابس إلى.. إلى... إلخ، وهذا ما يسمى في علم الاقتصاد بتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد وهذا هو أيضاً ما عجزت عنه حكوماتنا، يا لهذه السياسة التي لا تفارقنا.
أخيراً في زمن التقشف وتقليل المكتسبات زاد دخل هذه الفئة لأنها لا تعتمد على سلعة وحيدة وقابلة للنضوب.. لا حاجة للتعليق هنا!
البعض قال عن هذا النشاط إنه «هبة» موضة وستختفي وتضمحل، وأنا أقول إن الذكاء أن يكون اقتصادك مرناً تستفيد من كل «هبة» ولا تضيعها.
وأخيراً دعك من أصحاب الحسابات وقف عند «الفولورز» وهنا يدخل علم الاجتماع لينغص علي استمتاعي بما هو غير سياسي. «الفولورز» عبارة عن شريحة مجتمعية فهؤلاء هم صورة واضحة من مجتمع تشكلت نفسيته نتاج السياسة الريعية التي خلقت جيلاً اتكالياً لا يعرف إلا أن تصل اللقمة إلى فمه وإن نشط غيره وخرج عن الطوق ونجح فهؤلاء يهدرون كل ما لديهم من طاقة فقط للنيل من نجاحه.
هنا أقضي الوقت، أجد في قراءة تعليقات الناس مؤشرات اجتماعية واقتصادية ومؤخراً شعرت أن المؤثرات السياسية أيضاً لها دور على نفسيات البشر وعلى آرائهم ومعتقداتهم.
فمثلاً وجدت في تعليقات المتابعين مؤشرات لتفشي أمراض نفسية وانتشارها بشكل مخيف ويأتي على رأسها الغل والحقد والكره والبغضاء والحسد وكنت أعتقد أن هذه الأمراض موجودة عند الخصومة السياسية.
ففي عالم السياسة من لا يملك رأياً مخالفاً لرأيك إنما يملك رأياً فيك أنت شخصياً، منتشرون كالذباب وهؤلاء يكتفي «بالبلوك» لهم، لينفثوا سمومهم المرضية على أنفسهم، إذ إن هذا النوع إن لم يجد من يسمم يومه، عادي جداً يقف أمام المرآة ويبصق عليها! حيث لا تجد رأياً ولا منطقاً ولا حجة ولا كلمة مفيدة، بل يدخل الحسابات ليشتم هذا ويعير ذاك ويطرح أسئلة فيها غمز ولمز والأدهى أن دمه عبارة عن «برنوص صوف منقوع في ديزل» ومع ذلك «ينكت»!! وبعد كل «بلوك» نحمد الله أن سخر لنا هذا الخيار وما كنا له مقرنين.
نوع من أنواع المخلوقات العجيبة له نفسية يصل بها الحقد لو سألته لو خيرناك بين تقليل مكتسبات غيرك أو زيادة مكتسباتك لقال لك فوراً، تقليل مكتسبات غيري!! أعوذ بالله من شر ما خلق.
وهكذا تجد انعكاسات الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي حاضرة أمامك في متابعات كنت تعتقد أنها خارج نطاق السياسة لتجد السياسة قد وصلت لها وتعيدك لها.
فمن متابعتي لشباب معني بالموضة وبالطبخ وبترتيب البيوت وبالديكور وبالنظافة ووو أي معني باهتمامات غير تقليدية والتقليدي منها كالطبخ والموضة تعاطى معها هؤلاء الشباب بطريقة عصرية مغايرة غير تقليدية، تعرف أن التفكير خارج الصندوق ممكن في مجتمعاتنا، وأن شبابنا مبدع إن تحرك ذاتياً، وأن بإمكانه إن خرج عن طوق الوظيفة أن يحقق عائداً أفضل من راتب وزير، وأن حكوماتنا وهياكلها الوظيفية هي الهرمة حتى وإن تولاها شباب، وتعرف أيضاً أن الريعية خلقت جيلاً من الحاقدين الحسودين الذي إن أعطي أمنية واحدة فيتمنى خسارة الآخرين ولا يستغل الأمنية لمكاسبه.