بعد الموقف الموحد والقوي لدول مجلس التعاون الخليجي والموقف الصارم للدول العربية والإسلامية والذي لم تتوقعه حكومة الملالي لم يعد أمام إيران سوى سلك أحد طريقين، إما أن تتراجع وتعدل من نهجها وتفكيرها ونظرتها للآخر فتربح، أو تركب رأسها وتواجه الجميع فتخسر وتصل إلى مرحلة لا تجد فيها من يقف معها ويسمعها غيرها هي! لم يعد متاحاً اللعب على المتناقضات ولا استمالة هذا الطرف أو ذاك بالمال أو بتزيين المستقبل وبيع الأوهام، فالكل صار – بسبب سياسة إيران الخاطئة وسلوكها المؤذي والعدائي – واحداً لأن الكل تضرر منها ومن الشعارات الرنانة التي ترفعها وتعمل عكسها.
ليس صحيحاً أبداً ما تردده إيران هذه الأيام وتحاول أن تسوقه من أن وقوف بعض الدول مع الشقيقة الكبرى هو على أمل الحصول على بعض المال «حسب تعبير وزير خارجيتها»، فالسعودية أعطت الكثير وهي تعطي دائماً من غير منة ولا تقبل أن تتطور علاقاتها مع الآخرين بناء على هذا المعيار، كما أن الدول العربية وغير العربية لا يمكنها أن تقف مع السعودية أو غيرها بغية تحقيق هدف رخيص كهذا. ما حدث باختصار هو أن إيران ارتكبت خطأ كبيراً بل مجموعة أخطاء كبيرة وظاهرة والسكوت عنها خطأ أكبر، ومن الطبيعي ألا تقف الدول مع المخطئ والمتجاوز للأعراف والاتفاقيات الدولية. كما أن القول بأن هذه الدول تتخذ من إيران موقفاً سالباً أو تعاديها لأسباب طائفية قول لم يعد ينطلي على أحد، فهذه اللعبة صارت مكشوفة، ذلك أن الدول لا تحتكم إلى هذا في علاقاتها مع غيرها.
الأفضل من كل هذا الذي تقوم به إيران حالياً هو أن تراجع نفسها وتعترف بأخطائها لأن إصرارها على موقفها الخاطئ من شأنه أن يوقعها في مزيد من الأخطاء، الأمر الذي يصعب معه تصحيحها لاحقاً ويزيد من الفجوة بينها وبين الدول العربية والإسلامية وخصوصاً جيرانها الذين من حقهم عليها عدم التدخل في شؤونهم وتطوير العلاقة معهم كي تستقر المنطقة ويحصل مواطنو كل دولها على حقهم في الحياة والتطور بما فيهم المواطنون الإيرانيون الذين ذاقوا الويل من حكومة الملالي ولم يعرفوا طعم الحياة نحو أربعة عقود عانوا فيها من أخطاء قيادتهم التي لا تريد منهم سوى أن يكونوا أدوات في يدها توظفها لتحقيق مآربها.
التطورات التي تشهدها المنطقة بسبب أخطاء إيران لا يكفيها سعي هذه الدولة للتهدئة ونثر الوعود الفارغة يميناً وشمالاً ولا التعهدات بعدم تكرار تلك الأخطاء أو ارتكاب غيرها وإن كانت عبر رسائل رسمية للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فما جرى ويجري لم يعد يستوعب هذا الأمر بل إنه لم تعد له قيمة. المطلوب من إيران هو أن تعيد تقييم نفسها وأن تغير من سياستها الخاطئة وأن تعلم قبل كل هذا أن الدول العربية بإمكانها أن تقطع علاقاتها معها وتهمشها وتعتبرها وكأنها غير موجودة، بل أن بإمكان هذه الدول أن تضيق الخناق عليها فتعيش بقية عمرها منبوذة، ويستمر شعبها في معاناته ويصل من ثم إلى مرحلة لا يتمكن فيها من التحمل فيثور على حكومة الملالي التي تأبى أن تتعلم ولا تزال مستمرة في عدم استيعابها لما يجري وعدم فهمها للتوازنات في المنطقة وتحديداً دور ومكانة المملكة العربية السعودية.
اليوم لا طريق ثالثاً أمام إيران، إما أن تغير من نهجها وتعمل مع جيرانها بنية صادقة لتطوير حياة شعبها وسائر شعوب دول المنطقة أو تموت، كما أن عليها أن تعلم أن كل هذه الخطوات التي اتخذت ضدها أخيراً ليست إلا مثالاً وتمهيداً وأنه يمكن أن تتبعها خطوات تذوق بسببها طعم الندم.