التضامن العربي مع الرياض في أزمتها الحالية مع طهران والذي كان عنوان اجتماع مجلس الجامعة العربية الأخير في القاهرة كان متوقعاً، لكنه لم يأت مجاملة للشقيقة الكبرى وإنما سببه وضوح المشهد الذي لا يقبل إلا التضامن الذي هو في كل صوره وقوف إلى جانب الحق ضد الباطل، ورفض لتدخلات إيران في الشؤون العربية، ورفض لدعمها للإرهاب والطائفية. وكما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير فإن «هذا الموقف العربي رسالة واضحة لطهران مفادها أن الدول العربية لا تسمح المساس بها»، وإنه «في حال التزمت إيران فيمكن أن تعيش بالمنطقة كجارة، وإن لم تلتزم فستجد رفضاً قوياً من الدول العربية».
هذا يعني أن غاية ما تريده الدول العربية من إيران هو أن تحسن من سلوكها ولا تتجاوز وتعيش وتدع غيرها يعيش، وأن ما تفكر فيه فيما يتعلق بتسيد المنطقة أمر غير قابل للتحقق، لأنه غير واقعي وغير منطقي، ولا يمكن للدول العربية أن تسمح به، فهي الأحق بالتسيد، وليست إيران، التي تنطلق من أيديولوجيا لا تعينها إلا على الابتعاد عن الموضوعية وفتح أبواب لا يأتي منها إلا السوء.
ما ينبغي من إيران أن تعلمه أيضاً هو أن هذا الموقف العربي القوي نتاج طبيعي لـ«التراكمات العميقة لسنواتٍ طويلة منذ أن بدأت الثورة الإيرانية» حسب تعبير الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الذي أكد «وجود دعم قوي لموقف الرياض بخصوص سياستها وعدم التدخل في قراراتها»، وهو ما أكد عليه الجبير أيضاً حيث قال في كلمته أمام المؤتمر إنه «منذ ثلاثة عقود وإيران تنتهج أعمالاً سلبية، منها دعم الإرهاب والميليشيات، وترسلها إلى دول عربية لتحدث بها اضطرابات»، أي أن الكيل قد فاض ولم يعد هناك مجال للصبر، فللصبر حدود.
ما ينبغي على إيران أن تنتبه إليه أيضاً هو أن السعودية بخطواتها المتمثلة في عقد اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وعقد اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية، وتشكيل فريق عربي لعرض التجاوزات الإيرانية على الأمم المتحدة، تريد أن تشهد عليها العالم كي لا يلومها لاحقاً على أي خطوة تقوم بها، أي أن موقفها القانوني سليم مائة في المائة.
إن تصرفاً حكيماً كهذا الذي تقوم به الشقيقة الكبرى درس بليغ يفترض أن تتعلم منه إيران، فتعمل على تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها وأدت إلى وضع نفسها في موقف لا تحسد عليه. فالسعودية حصرتها في زاوية صعبة لا تعينها خبراتها على الخروج منها إلا بتغيير نهجها وطريقة تعاملها مع الآخرين، وقبل هذا وذاك الاعتراف بخطئها بل بأخطائها الكثيرة التي ألبت بسببها العالم عليها.
لا يمكن لإيران أن تستمر في وضعها الحالي الذي يظهرها وكأنها تعيش خارج العالم، وفي المقابل لا يمكن لجيرانها أن يقبلوا منها سلوكها البعيد عن المنطق والمليء بالأخطاء والتجاوزات. لا بد أن تعيد النظر في كل حياتها، ولا بد أن تعلم أن حق الجار على الجار وأن ما يجري حالياً هو بالفعل نتيجة نفاد الصبر وبلوغ السيل الزبى.
لكن هل تتعلم إيران من كل هذا وعلى الخصوص من الدرس السعودي البليغ الذي حصرها في زاوية و«بهدلها» أمام العالم؟ هذا سؤال مهم يتمنى المرء أن يكون جوابه نعم، لكن من يعرف إيران وطريقة تفكير حكومة الملالي لا يتردد في القول إنها لم تتعلم منه ولن تتعلم، وهي وإن تعلمت فإنها ستأخذها العزة بالإثم وستواصل نهجها الخاطئ الذي سيزيد من وضعها سوءاً ويزداد نابذوها.
الحسنة الوحيدة لإيران في هذا الخصوص هو أنها كانت سبباً لعودة مرحلة التضامن العربي.