ليست معضلتنا في أزمة اقتصادية، وليست مشكلتنا ما يظنه بعض صناع القرار أننا شعب لا يحمد ربه على أنه يأكل ويشرب وينام تحت سقف يستره، ويظل «يتحلطم» طوال الوقت دون داع، بل مشكلتنا هذه الهوة الفاصلة بين ما يفكر به المجتمع وبين ما يفكر به بعض صناع القرار، معضلتنا أن من يخاطبنا لا يحترمنا، بل يقول لممثلينا إننا كنا نستطيع رفض مناقشة الموضوع لكننا سمحنا لكم بالحديث!
وكلما تأخرت الحكومة في الاقتناع بهذه الحقيقة فإن الهوة ستتسع وسيصعب رتقها فيما بعد، رغم أن هناك حلاً وأن هناك أملاً.
صناع القرار يتخذون قراراتهم تحت وطأة انطباعات خاطئة وفهم قاصر للمجتمع البحريني، فيتخذون إجراءات كان بالإمكان تمريرها لو عرفت الحكومة كيف تتعامل مع المجتمع، هنا تكمن المعضلة الحقيقية للبحرين.
لم نكن ولن نكون الدولة الأولى ولا الأخيرة التي تتعرض لأزمات اقتصادية إنما الأمر يحتاج إلى انفتاح واقتراب ونزول ومخاطبة الناس، الأمر يحتاج لتحويل الصعاب لتحديات ولتحويل لغة التشاؤم للغة تفاؤل، المعضلة تحتاج لتحويل المجتمع إلى ورشة عمل كبيرة يشارك بها الجميع، تتفتح فيها بيوت القرار على الناس أفراداً ومؤسسات، ضع أمامهم المعطيات واسمع منهم الآراء والأفكار، حتى حين يأتي التنفيذ وتأمرهم بخوض البحر يكون القرار قراراً جماعياً أتى منهم وبهم ومعهم وستجدهم يسبقونك للشاطئ الآخر.
كيف ممكن أن تحول خسارتك لمكسب؟ وخصومك إلى حلفاء؟ والظروف الصعبة إلى فرص؟ بل كيف يمكن أن تتخذ قرارات صعبة وتجعلها قرارات شعبية؟
لا تحتاج لعصا سحرية بل تحتاج فقط إلى الانفتاح على الجميع وتحويل ما تفكر به داخل الصندوق المغلق أي «عقلك» أو دائرتك المغلقة التي تثق بها وحدها، تحولها إلى ساحة للتفكير الجماعي بتحويلك البحرين إلى ورشة عمل مفتوحة للجميع عن طريق استغلال وتوظيف كل ما هو متاح لك من وسائل الاتصال والتواصل.
إن إشراك المجتمع بمناقشة المعضلات مهمة ليست سهلة، لكن نجاحك فيها سيجعل جميع الأفراد جزءاً من الحل بدل أن يكون جزءاً من المشكلة، لدينا مؤسسات مجتمع مدني ولدينا مجالس شعبية ولدينا خبرات مبعدة ومستبعدة، لدينا تلفزيون ولدينا وسائل تواصل اجتماعي، كلها أهملتموها وكتمتم على الموضوع، وحتى حين أردتم توظيف بعضها أسأتم استغلالها وارتدت عليكم «باك فاير» واسمحوا لي بعض الوسائل خلقت لكم مزيداً من الأعداء ووسعت الهوة بدلا من تضييقها.
ها هي دول مجاورة لنا تتخذ نفس الإجراءات، لكن ردة الفعل الشعبية ليست مثلنا، العيب ليس في أننا «شعب لا يفهم» العيب في طريقة مخاطبتنا وطريقة إنفاذ هذه القرارات وعدم الاستعداد والتهيئة للبدائل. فلم نتأخر في اكتشاف المسلمات؟ لم نلجأ لطرق ملتوية؟
الزبدة
للمرة المليون البحرينيون ليسوا ضد التقشف، ونعطيكم إياها على «بلاطة»، البحرينيون ليسوا ضد رفع أسعار البنزين، البحرينيون ضد التقليل من ذكائهم ومن احترامهم، البحرينيون ضد عدم الاستعداد والتهيئة المناسبة والمسبقة المفروضة والمطلوبة والتي وعدتمونا بها، البحرينيون ضد اتخاذ قرارات بهذه الأهمية بهذا الشكل الانفرادي وفرضها أمراً واقعاً، البحرينيون ضد أن تكون هذه فقط هي الحلول وأنه لا يعرف إن كانت هناك رؤية شمولية أو أن هذا هو حدكم، البحرينيون ضد عدم مصارحتهم والتخبط في كيفية إدارة الأزمة، هل يعقل أن يعطي وزير كلمة وبعد أيام يبلعها؟!!
بالإمكان التهدئة ومازال بالإمكان إيجاد مخارج وبالإمكان الوصول لنقاط اتفاق إنما عليكم بالإقرار أولاً، أن طريقة إدارتكم للأزمة هي ما أوصلنا لهذا النفق.