يبدو أن أكثر ما يمكن أن يثير حفيظة المواطنين في هذه المرحلة، هو المساس بلقمة العيش، فأي تعرض للقمتهم أو لقوت عيالهم، هي مسألة عذابات يمكن لها أن تكبر وتكبر حتى تصل لمرحلة الموت، ولهذا فإن كل القوانين الاقتصادية الطبيعية والحتمية، الصحيحة منها والخاطئة، لا يمكن للمواطن العادي أن يفسرها بالطريقة التي يفضلها المحلل الاقتصادي، بل تعني له المزيد من الحرمان والكثير من الويلات.
ليس من واجب المواطن أن يحلل الوضع المالي العام للدولة بطريقة مهنية أو اقتصادية، وليس في وارده أصلاً أن يسوق المبررات المنطقية لارتفاع الأسعار الحاصلة لأسباب يجهلها الكثير منَّا اليوم، حتى يرسم لها ولنفسه ولعياله بعض العذر، فلقمة العيش لا تُنتزع في نظر المواطن تحت أي مبرر كان.
ربما يهذر المحلل الاقتصادي كثيراً حول انهيار أسعار النفط، ولعله يقتنع بكل مبرراته، لكنه على أرض الواقع -لو كنَّا أكثر واقعية- لن يتقبل أن يدفع هو مبالغ إضافية على الخبز والبنزين واللحم وبقية الأمور الاستهلاكية واليومية، وهذا يعني أن هنالك مسافات فارقة بين النظرية الباردة وبين الواقع الساخن.
سيظل المواطن البحريني وغير البحريني أيضاً يهرول نحو تحسين وضعه المعيشي، ويأتي دور الدولة التي تصون هذا الحق، لترفع من قدر شأن الناس الذين تسوسهم بالصورة اللائقة والصحيحة، دون الحاجة لأي مسلك من مسالك سالبة كما شاهدنا حين هرع الناس لمحطات الوقود أفواجاً أفواجاً حين سمعوا نبأ ارتفاع أسعار المحروقات، بينما كان بالإمكان أفضل مما كان.
لن نتحدث في هذه الأسطر عن قضية رفع أسعار البنزين، فسنتكلم عنها لاحقاً، لكننا نؤكد هنا ضرورة التعاطي مع لقمة العيش بطريقة إنسانية راقية، لا تصل لمرحلة الاستنقاص من شأن الناس، حيث كان بالإمكان أن تستخدم الدولة وسائل متدرجة ربما تكون أكثر لطفاً من الوسيلة التي تم اتباعها في قضية البنزين أو حتى رفع الدعم عن اللحوم، لأن الهدف من كل ذلك هو معالجة الوضع الاقتصادي، لكن ليس على حساب الوضع الاجتماعي والإنساني للمواطن البحريني.
قرارات اقتصادية حاسمة كهذه القضايا، يجب أن تكون مدروسة قبل أن تطبق على أرض الواقع، وبالأسلوب الأمثل، فالمواطن هو ثمرة هذا الوطن وثروته الثابتة، أمَّا البنزين فهو الاقتصاد العابر والمتغير، فهلَّا تغيرت الوسائل في سبيل إسعاد الناس؟ أم أن الغاية تبرر الوسيلة؟