أنت يا مواطن، عليك أن تعي موقعك جيداً من الإعراب في منظومة الدولة.
وحينما نقول ذلك، نعني بأن المواطن ليس «الحلقة الأضعف» فيها، بل على العكس، هو أساسها، باعتبار أن رسم عديد من العمليات في حراك العمل الحكومي هدفها يخلص إلى المواطن، وهكذا مفترض. وعليه فإن خروج أي مسؤول ليخاطب المواطن بطريقة يحس فيها الأخير بأنه تم بها استصغار همه، فإن هذا خطأ فادح لا ينبغي أن يقع فيه أي مسؤول في الدولة، على مستواه الرفيع أقسم بأن يعمل لأجل الوطن وأهله، وفي المستويات التي تليه أقر بلوائح وأنظمة الدولة وتعرف على مهامه الوظيفية التي تبين واجباته المهنية، والتي بدورها تقود للمواطن.
بعد هذا التوضيح، الذي هو أساساً غير مبرر لوضعية «المواطن» في معادلة الدولة، لكننا نعيده ونكرره دائماً، لأننا نرصد ونرى للأسف بعضاً من تعاطي المسؤولين في ملفات تمس الناس وكأن هذه الفئة – الناس والمواطنين – آخر من يتم التفكير فيهم، ونفس الحال ينسحب على بعض النواب وبعض الفعاليات وليست الصحافة منزهة وبمعزل.
بعد هذا التوضيح وبيان موقع المواطن الهام المفترض أن يوضع في الاعتبار دائماً عند أي تحركات وعمليات وحتى قرارات، نقول هنا بأن من حق المواطن أن يوجه تساؤلاته في جميع الاتجاهات، اتجاهات في مقام أول وأهم للدولة والحكومة، وفي مقام ثان لممثليه في مجلس النواب، رغم أن الناس وصلوا لمرحلة لا يتوقعون تأثيراً قوياً من المجلس، وهذا ما أثبتته للأسف بعض المواقف التي اقتصرت على تسجيل المواقف الكلامية دون استخدام حتى للأدوات الدستورية المتاحة.
تساؤلات المواطن مشروعة كونه مكوناً رئيساً في الدولة، فلا دولة تقوم بدون مواطنين، وهذه معادلة أزلية وثابتة. في المقابل المسؤولون وغيرهم من أصحاب الصلاحيات «واجب» عليهم الإجابة عن تساؤلات الناس، لا تركهم في حيرة من أمرهم، ولا تجاهل الرد وترك الأسئلة عائمة تهيم هكذا، ما يعني أن هناك ضوءاً أخضر لصدور التأويلات والفرضيات، والأخطر إثارة نوع من القلق والهلع المجتمعي. الصحافة وكتاب الرأي متهمون دائماً من قبل بعض مسؤولي الدولة بأنهم من يثيرون هلع الناس ويدفعونهم للقلق من خلال إثارة موضوعات معنية بما يمس الناس، وهذا في رأينا وقناعتنا ويتفق كثير من المواطنين عليه «تغليف» للحقيقة، والأخيرة تبين بأن مصدر القلق والهلع والتخوف وحتى مبعث ردات الفعل سواء الغاضبة أو المتوجسة، هم المسؤولون أنفسهم، بالأخص حينما تطرح التساؤلات «سواء من مواطنين، نواب، صحافة ..الخ»، ولا تقابل بإجابات شافية وافية، وحينما تفتح قضية هامة تمس الناس للنقاش، فلا يشارك فيها المسؤولون المعنيون لحسم الأمور ووضع النقاط على الحروف، توجه الصحافة بنفسها تساؤلات فلا يرد عليها بطريقة صحيحة بحيث يتم استيفاء الإجابة، بل يسكت بعض المسؤولين ويأمرون دوائر العلاقات العامة لديهم بالصمت، وحينما تجتهد إما الصحافة والناس، يردون ولا ينسون وضع الجملة الشهيرة الأزلية «ونأمل من الكاتب أو الصحيفة التحري واستقاء المعلومات من مصادرها»! يا أخي، ما أنتوا الذين توجه لكم التساؤلات ولا تردون، وتقرؤون الصحافة يومياً، وتتابعون ما يتناقله الناس في وسائل التواصل الاجتماعي فلا تعلقون، بالتالي أنتم كمسؤولين تتركون دوركم، وهو ما يراه الناس لا مبالاة بهم.
وعليه نقول، بأن المواطن اليوم من حقه التساؤل خاصة في ظل هذه الأوضاع الصعبة، والتي ولدت قناعة لديه –أي المواطن– بسبب الإجراءات المتخذة بأنه سيكون متأثراً دائماً، وطرفاً أساسياً في كل إجراء. بعد إعادة توجيه الدعم عن اللحوم، كانت التساؤلات ماذا إذا كانت العملية ستطال سلعاً أخرى؟! والإجابة كانت عائمة دون هوية «نعم هناك توجه»، لكن بالنسبة للناس لم تحدد ما هي الخدمات والسلع بشكل واضح وصريح، ولم يقدم جدول زمني لتطبيقها، والحديث هنا عن رفع سعر البنزين. بيت القصيد مما نقول، إن المواطن يتعايش حالياً مع الأمر الواقع، لكن لسان حاله يدعو الله بألا يتوالى عليه سيل متواصل من رفع الدعم وزيادة الأسعار، والخطير في موضوع التقشف ما أخذ يتداول لدى الناس خلال اليومين الماضيين بأن تقليل أوجه الصرف قد تطال العلاوات المعنية بالمواصلات «التي منطقياً يفترض زيادتها بسبب زيادة سعر البنزين»، والعلاوة الاجتماعية وغيرها، وهي أقوال يتداولها الناس، لابد لها من حسم من قبل المسؤولين وبيان صحتها من مغلوطيتها، مع الوضع في الاعتبار بأن الساحة الآن مهيأة وسهلة الاختراق لأي من يحاول ترويج أية أنباء وأخبار ويبدأها بـ«وفق مصادر» أو فبركات وخيالات من نسج قريحة البعض، ما يعني أن المسؤولين مطالبين بالرد بشفافية لاحتواء تأثر الناس بما يصلهم.
ومن هذا المنطلق، نعيد التذكير بأسئلة عديدة طرحناها بشأن خطة التعامل مع الأزمة الاقتصادية، وكيف سنحل مشكلة الدين العام، ومتى؟! وماذا وفرنا من إعادة توجيه الدعم وتعديل الأسعار وعمليات التقشف حتى الآن؟! وهل هذا الوضع مؤقت سيتغير حين تتحسن الأمور؟! وهل هناك أمور مشابهة في المستقبل القريب؟! وطبعاً أهم تساؤل يطرحه العنصر المهم في معادلة الدولة، وهو المواطن، ومفاده «كمواطن، ما هي ضماناتي بألا يتأثر وضعي المالي والمعيشي مستقبلاً، من خلال خطوات مماثلة». من حق المواطن أن يسأل، ومن واجب الدولة أن تجيب.