من الطبيعي ألا يؤيد أحد من المواطنين زيادة أسعار أي سلعة خصوصاً إن كانت أساسية ويصعب الاستغناء عنها كالبنزين مثلاً، لأنها تصعب عليه الحياة وتؤثر على ميزانيته سلباً وقد تربك حياته. من الطبيعي كذلك أن يعبر الناس عن عدم ارتياحهم من مثل هذه القرارات التي تتسبب في استهلاك جزء إضافي من مدخولهم بطريقة أو بأخرى. من الطبيعي أيضاً أن يؤثر قرار كهذا في أمور حياتية كثيرة وأن تكون له استتباعات. لكن أن يتم استغلال موضوع كهذا للإساءة إلى الوطن وشحن الناس ضد الحكومة فأمر غير مقبول وإن كان يدخل في الطبيعي من الأمور أيضاً ومتوقعاً من قبل من يعتبر نفسه «معارضة»، فليس أفضل من هكذا فرصة لتوجيه السهام للحكومة رغم أن البحرين ليست الوحيدة التي اضطرت إلى الدخول في هذه الزاوية ولجأت إلى «آخر الدواء»، فمثل هذه القرارات اتخذتها أيضاً الدول الخليجية الأكثر ثراء.
كل بلدان مجلس التعاون الخليجي تمر اليوم بظروف صعبة واستثنائية أحد أسبابها الانخفاض الكبير لأسعار النفط الذي هو أساس ميزانيات هذه الدول، وكل هذه الدول وغيرها اضطرت إلى اللجوء إلى خفض نفقاتها وتأجيل ما يمكن تأجيله من مشروعات، واضطرت أيضاً إلى رفع الدعم عن بعض السلع التي كانت تخفف بها عبء المعيشة عن مواطنيها.
هذا ظرف يأمل المرء ألا يطول وتخرج منه دول المجلس بسلام، لكنه الآن واقع ينبغي التعامل معه بهدوء وروية، وينبغي من الجميع التعاون لتقليل هامش الضرر إلى أقصى حد ممكن، وبالتالي فإنه ليس من المناسب أبداً الاكتفاء بالمشاهدة والانتقاد وتوجيه السهام للحكومة لأن أي حكومة في مثل هذه الظروف تكون الخيارات أمامها محدودة ولن تجد مفراً من اللجوء إلى «الكي»، فهناك أولويات، وهناك من المصروفات والمشروعات ما يصعب الإفلات منها أو تأجيلها، وليس منطقاً القول إن تلك الدول التي يعتبرها ذلك البعض نموذجاً ومثالاً وقدوة له يمكن أن تتصرف بشكل أفضل في مثل هذا الظرف، فليس ما يعانيه المواطن الإيراني مثلاً إلا نتيجة تخبط وارتباك الحكومة في إيران والتي على العكس من حكوماتنا في دول مجلس التعاون تعتبر المواطن آخر همها.
الدور الذي يفترض أن تلعبه الجمعيات السياسية على وجه الخصوص في هذه المرحلة كبير ومهم، فهي ليست أندية تمارس نشاطات اجتماعية أو رياضية أو أدبية، ولكنها مؤسسات تمارس العمل السياسي، أي أن عليها مسؤوليات يجب أن تتحملها في مثل هذه الظروف، ولا يمكن أن ينحصر دورها في انتقاد الحكومة والانتظار حتى تمر الأزمة.
الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد فرصة للجمعيات السياسية وغيرها من المؤسسات التي تعتبر نفسها وطنية ينبغي أن تستغلها جيداً لتؤكد دورها الوطني الذي من غير المعقول أن يقتصر على النقد، كما أنه لا يجوز أن تعتبر ما يجري فرصة للتحريض ضد الحكومة وشحن العامة والمساعدة على فتح المساحات التي يمكن لمن يريد الإضرار بالوطن أن يستفيد منها.
الجميع يتأثر بالقرارات التي نتاجها يغير إيقاع الحياة ويضرر المعيشة، ولا أحد يتمنى أن ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية، لكن الظرف غير عادي ولعله لا يطول ويتم تجاوزه بسرعة، لذا فإن اكتفاء الجمعيات السياسية وغيرها بالانتقاد والوقوف في جانب والمشاهدة وكأن الأمر لا يعنيها من شأنه أن يصعب الأمور على المواطنين ويقلل من شأنها في وقت يفترض أن توجد لنفسها دوراً، فهي فرصتها لتترجم الشعارات الوطنية التي ترفعها إلى عمل حقيقي يؤكد أهميتها، وليس دور «المعارضة» -أياً كان مفهومها وقناعاتها- التحشيد ضد الحكومة والنظر إلى ما يجري على أنه فرصة للانتقام والشماتة.