تأتي زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لمصر في توقيت بالغ الأهمية، وأول عناصر هذ الأهمية أنه يتواكب مع الذكرى الستين للعلاقات بين البلدين وهي ذكرى تحتفل بها كل من الصين ومصر، ولذا تقرر إعلان عام 2016 عام الصداقة الصينية لمصر، وعام الصداقة المصرية للصين، ويتم خلال العام إقامة العديد من المهرجانات والزيارات على مستويات متنوعة تعزيزاً لهذه المسيرة الفريدة في تاريخ علاقات دولتين ذواتي تاريخ حضاري عريق، ولكنني لم ألاحظ عقد ندوات فكرية يشارك فيها خبراء متخصصون من البلدين، وذلك لتعزيز الاستفادة من هذه المناسبة ودعم المسيرة، خاصة أن الصين تعتمد في اتخاذ القرار لديها على الخبراء المتخصصين من الأكاديميين والسياسيين والباحثين والدبلوماسيين السابقين بالإضافة للمسار الرسمي عبر المسؤولين من مختلف أجهزة الدولة.
والعنصر الثاني هو إدراك مسارات التجربة في علاقات البلدين إذ أن هذه العلاقات لم تسر في مسار صاعد كل هذه الفترة فشهدت فترات من المد في بداية عهد الرئيسين عبدالناصر وماو تسي تونج بفضل العقلية الإستراتيجية لرئيس الوزراء الصيني الراحل شوان لاي، ثم جاءت فترات من الجزر في بداية الستينات نتيجة الخلاف الصيني السوفييتي ونتيجة الاشتباكات على الحدود الهندية الصينية، ونتيجة هزيمة حرب عام 1967 في الشرق الأوسط وأخيراً نتيجة التوترات الحادة في الصين من جراء أحداث الثورة الثقافية في الصين التي امتدت لعشر سنوات عجاف في التاريخ والسياسة والاقتصاد والثقافة وأثرت على علاقاتها الدولية وهي أشبه بالسنوات الخمس العجاف التي تتعرضت لها مصر منذ ثورة 25 يناير، ويمكنني القول بأن كتابي عن الثورة الثقافية في الصين 1966-1976 أقرب تشابهاً مع كتابي عن ثورة 25 يناير2011 في مصر.
ثم جاءت فترة الإصلاح والانفتاح في الصين عام 1978 في ظل حدثين مهمين، أولهما انفتاح مصر على الولايات المتحدة وإسرائيل وتوقيع معاهدة السلام وأيضاً انفتاح الصين على الولايات المتحدة وإقامة علاقات رسمية بينهما لأول مرة. كما بدأت علاقات سرية غير رسمية بين الصين وإسرائيل وخاصة في المجال العسكري والأمني.
وقد شهدت علاقات الصين ومصر تقدماً واستئنافاً لمسيرتها طوال عقد الثمانينات والتسعينات وحرص كل مسؤول صيني كبير على أن يزور مصر قبل أية زيارة له لإفريقيا أو الشرق الأوسط وبخاصة المنطقة العربية، باعتبار أن مصر هي أول دولة عربية وإفريقية تعترف وتقيم علاقات مع الصين في 30 مايو 1956، وهي بوابة علاقات الصين مع هاتين المنطقتين المهمتين باعتبارهما من أولى ركائز واهتمامات السياسة المصرية بل والهوية المصرية. ومن هنا أثرت علاقات كل من الصين ومصر مع إفريقيا والعالم العربي على علاقات الدولتين حيث لعبت مصر دوراً محورياً في إنشاء منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2000 ثم منتدى التعاون الصيني العربي عام 2004.
المهم أنه في بداية القرن الحادي والعشرين عادت العلاقات وثيقة سياسياً وثقافياً، ولكن البعد الاقتصادي تراجع أو بدقة لم يسر بمعدل تطور العلاقات الصينية مع العالم العربي وبخاصة مع دول الخليج العربية، أو مع معدل علاقات الصين مع الدول الإفريقية. ومرجع ذلك حالة الجمود في النظام السياسي والاقتصادي المصري وفي النخبة السياسية والاقتصادية التي حكمت البلاد ثلاثين عاماً، وعاشت في إطار الفكر الغربي ونسيت ما يحدث من تطور في الشرق، رغم أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك زار الصين ثماني مرات، ولكن النخب التنفيذية لم تعرف ولم تتحمس كثيراً لما يحدث في الصين، أما بعض النخب الصينية فبدورها نسيت أو تناست في غمرة نموها الذي يشبه المعجزة الاقتصادية أن مكانة مصر ليست فقط بتقدمها الاقتصادي أو مواردها الطبيعية، وإنما بإشعاعها الحضاري وقوتها الناعمة. ولهذا تراجعت علاقات البلدين في المجال الاقتصادي إلى المكانة السادسة وأحياناً السابعة في أي من الإطارين العربي أو الإفريقي. كذلك تأثرت علاقات الدولتين بأولويات الصين في نموها وحاجتها للطاقة والمواد الخام والأسواق لتصريف الإنتاج ولبناء مشروعات عملاقة. وللحديث بقية.
* سفير مصر الأسبق في الصين وعضو منتدي شنغهاي للدراسات
الصينيـة وعضـو مجلس إدارة مؤسـسة «كونفوشيـوس» الدوليـة