حتى يتحقق ميزان العدالة بشكل صحيح، أو أقلها حتى يكون هناك تطبيق «نسبي» له، فإن إحساس المسؤولية بالنسبة لما تمر به البلاد من ظروف، لابد أن يشمل الجميع.
وحينما نقول الجميع، فإن علينا التفريق أيضاً بالنسبة لدرجة تحمل المسؤولية، إذ المساواة المطلقة أحياناً يكون فيها نوع من الإجحاف، خاصة حينما تساوى المستطيع والمقتدر مع الإنسان الذي «على قد حاله» أو ذي المستوى الأدنى.
في الدول الغربية التي تأخذ ضرائب على مواطنيها، وفي بريطانيا على وجه التحديد، تحدد نسبة الضريبة حسب المدخول، بحيث يكون صاحب الدخل الأعلى دافعاً لضريبة أعلى، وأصحاب الشركات الكبيرة والتجار لا يساوون بأصحاب الوظائف الحكومية، مع ملاحظة هامة هنا، تتمثل بأن الجميع «خاضع» للضريبة، لكن بالطريقة التي تتماشى معه ولا تؤثر على وضعه المعيشي.
وهنا فإن القول بتحمل المسؤولية شيء إيجابي، لكن شريطة أن يتحمل كل على قدر استطاعته، وبعدالة لا تخل بوضع الإنسان ولا ظروفه.
المسؤولون عليهم العبء الأكبر، يفترض، عن المواطن فيما نمر به حالياً، وهنا لا نريد أن نكرر نفس التجربة التي مررنا بها في شأن تمرير استقطاع الـ 1 ? من الرواتب لدعم صندوق التعطل، بحيث طبقت على الناس واستثني منها الوزراء والنواب والشوريون، ولو كان التطبيق شاملاً الجميع دون استثناء لما رأينا الناس يتكلمون في المسألة حتى اليوم، مع الأخذ في الاعتبار بأن الملاحظة على المسألة تمثلت بأنها أقرت بعكس إرادة الناس، وهنا اللوم على النواب الموجودين حينها.
وعليه نقول، إنه بالنسبة لتحمل المسؤولية، والتعاضد معاً إزاء ما نواجهه، فإننا نريد رؤية الإسهام من المسؤولين أكبر من المواطن البسيط، وأن يكون التقشف وضبط النفقات الحاصل لهم بصورة مؤثرة ويمكن ملاحظتها.
فمثلاً، لو كان الكلام عن تقليص علاوات ووقف توظيف وتقنين الزيادات، فإنه حري أنه ندقق في أمور بالنسبة لكبار المسؤولين تتسبب بصرف يمكن تقليله أو ضبطه، ولأضرب مثالاً بسيطاً هنا وأقول مخصصات السفر في المهمات الرسمية، إذ الوزراء بحكم وضعهم يسافرون على الدرجة الأولى، وعليه لسنا ننتقص من شأنهم إن اقترحنا بأنه في ظل الوضع الذي نعيشه، ولمواكبة عملية تقنين المصروفات وضبطها، لماذا لا يطير الوزراء على الدرجة السياحية؟!
ناهيكم عن أمور أخرى لو دققنا فيها لأمكننا توفير أموال طائلة ومنع أي هدر مشابه لأنواع متكررة من الهدر الذي نراه موثقاً في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية.
اليوم نتحدث عن احتواء للأزمة وتعامل مسؤول معها، بالتالي قبل أن نفكر في خطوات يمكن أن يتأثر بها المواطن مباشرة، لماذا لا نجلس وندقق في السجلات ونفتح دفاترنا القديمة ونضع أمامنا 12 تقريراً دسماً من تقارير ديوان الرقابة ونبحث فيها عن الخلل، ونبحث فيها عن الأموال التي كان يمكن الاستفادة منها بطرائق أخرى أكثر مثالية وأكثر نجاعة.
التوفير في الصرف وضبط النفقات لا يحتاج أن يكون على حساب أمور تولد نوعاً من التأثير السلبي على الناس، فالناس مطلوب منهم الإنتاجية، ومطلوب منهم العمل بروح إيجابية، وهنا ما نحتاجه هي إيجابية الناس وقدرتهم على العطاء في أحلك الظروف، وعليه فإن إزالة القلق أمر مطلوب، بل هو فن يجب إتقانه، ويكون ذلك عبر معرفة مكامن الخلل المؤثرة في عمليات الصرف وتجنبها.
ندرك تماماً بأن النواح واجترار الكلام والعودة للوراء أمور لا نملك رفاهية الوقت اليوم للخوض فيها، أمامنا وضع صعب يدفعنا للنظر للأمام ومحاولة التأقلم وحسن التصرف مع الأمور، وأعتقد أن ما شهدناه في الشهور الماضية من رصد لردات الفعل واتجاهات الشارع وما نقلته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يساعد الدولة في ملاحظة مؤشرات التأثر على المجتمع، بالتالي المفترض أن يساعدها على حساب ودراسة تداعيات أي خطوات قادمة.
لنبدأ ضبط النفقات بشكل أفضل، ولنبدأ بكبار المسؤولين إن وجدت أمور وعمليات يمكن ضبطها وتقنينها، والتي من خلالها يمكن توفير مبالغ تستغل في المواضع الأكثر احتياجاً.
نحن في حالة تقشف، بالتالي ليتحمل المسؤولون مع المواطن الذي أريد له تحمل نتائج التغيرات الدولية الاقتصادية وكذلك نتائج بعض السياسات التي لم تحقق المرجو منها. السفرات كما قلنا مثال، وأضيفوا عليها بعض الفعاليات التي بدونها لن نخسر شيئاً بل سنوفر، إضافة إلى بعض المشاريع التي يمكن تأجيلها حتى ينصلح الوضع.
أجزم بأن هناك بعض الوزراء الذي نتوسم فيهم الخير، والذين لو سألناهم ما إذا كانوا سيبادرون للمشاركة في المسؤولية على حساب وضعهم، فلن يترددوا.
أقول وأجزم، بأن هناك وزراء سيقبلون بأن يطيروا على الدرجة السياحية بدل الأولى لأجل توفير المبالغ لأجل عيون الوطن ولمشاركة الناس في الهم!
فمن يعلق الجرس، بشأن هذا المثال البسيط جداً؟!