بالتأكيد جميعنا، سواء مواطنين أو قيادة للبلد ومسؤولين، نتطلع للوقت الذي تنقشع فيه هذه «الغمامة السوداء» المعنية بتهاوي أسعار النفط وتأثر الاقتصاد العالمي، والتي دفعتنا مضطرين لدخول حالة من «التقشف» اللازمة، إذ الكل متأثر بطريقة أو أخرى.
حالياً الكل يتطلع لمرحلة ما بعد التقشف، وهل سيكون مداها قصيراً أو طويلاً؟!
بحسب الخبراء الاقتصاديين والمعنيين بالقطاع النفطي، فإن التوقعات تشير لمدى زمني قوامه عامين، فيهما سنضطر شئنا أم أبينا للتعايش مع مظاهر التقشف، إذ لا حل بديل وللأسف.
نعم، هناك من يربط الوضع الحاصل بمخططات سياسية وبصراع للقوى، وهذا صحيح، إذ تخفيض سعر النفط لم يحصل بسبب «أمر غير بشري»، بل هي أمور تحسب وتدار، لكن المؤسف فيها بأن البشر البسطاء في مداخيلهم ومعيشتهم هم من يتضررون وهم من يدفعون التكلفة، إذ لا حرب سواء أكانت سياسية أو اقتصادية دون تداعيات، وغالباً الناس هي التي تحس بهذه التداعيات إذ تصيبها في أمور مباشرة.
إن كان البعض يعيش في السابق حالة من الرفاهية النسبية، طبعاً كلا بحسب مدخوله، فإن إعادة جدولة الأولويات مسألة ملحة اليوم، إعادة جدولة الصرف، وضبط النفقات، وتأمين الأولويات هي الخطوط العريضة لأية خطة من خلالها يراد بها مواجهة الوضع الحالي.
وإن كان هذا على الصعيد الشخصي الذي يمكن من خلاله قول الكثير، وطرح مقترحات عديدة، وبعض الناس بدؤوا بالفعل ينشرون رؤى وأفكار عبر مواقع التواصل في شأن كيفية «التكيف» مع الظروف، فإن إدارة الأمور على مستوى الدولة يتطلب جهداً مضاعفاً وجدية أكبر، بالنظر لحجم المسؤوليات والالتزامات.
ورد رقم كبير في الصحافة يوم أمس على لسان أعضاء في مجلس الشورى، يبين فارق التضخم الذي حصل في الرواتب على مدى السنوات الماضية، بحيث فاقت الرواتب حاجر المليار. هنا التحدي في كيفية ضمان عدم تأثر البشر في رزقهم بحيث تستمر الدولة في التزاماتها بشأن توفير السيولة المطلوبة لتغطية الباب الأول من أبواب صرف الميزانية.
هو وضع صعب جداً، ومعه لابد من حلول صعبة، ونحن ندرك ذلك تماماً، رغم أنه بالإمكان الكتابة والقول في اتجاه آخر، بحيث تفتح ملفات معنية بأوقات سابقة فيها شهدنا نوعاً من البذخ في الصرف وعدم تعامل سريع مع الهدر المتكرر المبين في تقارير ديوان الرقابة، لكن المشكلة بأنه أسقط في اليد اليوم، وأي رجوع للوراء يمثل تأخراً في التعامل مع المستقبل، والذي تحمل مؤشراته فرضيات قاتمة اللون.
في شأن التقشف وكيف نتعامل معه وماذا بعده، هل بإمكان الخطوات المتخذة اليوم أن تشكل فارقاً؟! هل يمكن للسياسات المتبعة أن تجنب البلاد والعباد مزيداً من الأعباء؟! هل يمكن أن نقلل تأثير ما يحصل؟!
كلمة المستحيل لم توجد إلا ليوجد في مقابلها مصطلح «كسر المستحيل»، وعليه فإن التصرف بحكمة وعقلانية، وتجرع المر قليلاً تفادياً لشرب العلقم أحد الحلول.
وعليه نقول إن هناك لجاناً عدة تشكلت من قبل الحكومة معنية بضبط النفقات والصرف في القطاعات الحكومية، وهذه اللجان بدأت عملها منذ شهور مع بوادر الأزمة الاقتصادية وتراجع سعر النفط وتحديد ملامح الدين العام ومعرفة الإضافة المراد اقتراضها لدعم الميزانية.
هذه اللجان مطلوب منها اليوم «شفافية» أكبر في إعلان نتائجها المرحلية، إذ خلال الشهور الماضية ماذا كان تأثيرها؟! وماذا غيرت؟! وماذا وفرت قراراتها؟! وكم نسبة تأثيرها الإيجابي على سياسة التقشف وضبط النفقات؟!
هذه التساؤلات التي نوردها ونكررها ليس فيها انتقاص للجهود المبذولة، بل على العكس، هي تسعى لبيان حجم الجهد الذي بذل، والأهم تسعى لمعرفة النتائج التي تحققت.
وعليه حينما نوجه القول للمسؤولين بأننا في حاجة لمزيد من الشفافية والإفصاح، وتحديداً الإعلان الدائم عن التحركات ونتائجها، وبيان الأرقام والإحصائيات بحيث نستعيض بها عن الكلام المرسل، فإننا نهدف لمشاركة الناس في الوضع الحالي بحيث تكون لديهم المعرفة بشأنه، وكيف تأثرنا منه، وكيف نحاول معالجته، والأهم، إلى أين نتجه.
إن كتب علينا التأقلم مع سياسة «التقشف»، فمهم أن نعرف نتائج إجراءات التقشف، وهل مؤشراتها تبعث على الأمل بأننا سنصمد حتى تزول هذه الغمة، أو أننا سنضطر لاتخاذ خطوات أخرى.
اللهم احفظ البحرين وشعبها وقيادتها من كل مكروه.