الشعب البحريني تفوق مؤخراً في تعامله مع الظروف بـ«خفة ظل» رغم وجود مسببات للضيق والهم.
حينما تم إعادة توجيه الدعم عن اللحوم، رأينا الكم الهائل من المسجات والتعليقات المتداولة في وسائل التواصل، والتي فيها تعامل مع الوضع بأسلوب «التندر»، رغم أن الناس تأثرت وتغيرت عليها الأمور، لكن يبدو أنها سمة أصبحت أصيلة لدى البحريني بأن يهون الأمور على نفسه بأسلوب إبدال الحزن بفرح وابتسامة.
حتى في المشهد الأخير بخصوص رفع أسعار البنزين، يمكن للراصد أن يلحظ أسلوب التعاطي بنفس الطريقة.
هنا تساؤلات تطرح نفسها:
هل هذا التصرف محاولة غض النظر عن الموضوع المعني؟!
هل هي محاولة لـ«تخدير الذات» بنسيان الموضوع، أو سعي للتكيف معه بأسلوب أخف وطأة من التعامل الواقعي؟!
هل الهدف، إبدال الحزن بابتسامة، أو أخذ الأمور بأسلوب «لا حول ولا قوة» مع مزجها بنوع من المواساة الشخصية الهادئة؟!
كلها أمور تحتمل الصواب، ورغم أن البعض يقول «دعني أواسي نفسي بهذه الطريقة»، أقلها أضحك بدل الحزن، فإن الواقع يقول إنه رغم هذا التعاطي وأساليب التعايش مع مثل هذه الأمور، إلا أن هناك فئات بالفعل تعاني، ولديها من التخوف والقلق الكثير، فالمتغيرات الأخيرة ستغير لديهم الكثير، بالأخص الأسر المحتاجة والمعوزة، وأرباب الأسر ذات الدخل المحدود.
استثمار الوقت مهم اليوم، ونعني به استثمار وقت حياتك الذي إن ذهبت منه ثوان فإنها لن تعود، بالتالي إبدال الغم والهم والحزن بالابتسامة والتسرية عن النفس أمر مهم، إذ رغم كثرة التفكير في الصعوبات القادمة، إلا أنه من الخطأ «تعطيل» أو «توقيف» حياتك، وإهدار وقتك في التفكير السلبي أو تشبعه بالقلق، ثق بالله واجعله حسيبك، وادعو أن يفرج الأمور، في المقابل ابتسم وتفاءل ونظم وقتك وضبط أمورك واستثمر ثواني حياتك بإيجابية.
في حديث مع صديق بالأمس، لم تغب عنا الروح البحرينية الجديدة في التعاطي مع الأوضاع، ووسط الأفكار هنا وهناك، ومتابعة ردود فعل الناس، وأنا أحلل الوضع المعني بهبوط أسعار النفط بهذا الأسلوب، قال لي: اليوم سعر البرميل 30 دولاراً، والمتوقع أن يصل إلى 20 في أسوأ الاحتمالات، ورغم أن نزول سعره كخام لا يبرر رفع سعره للبيع على المستفيدين كسلعة «مكررة»، إلا أن الفكرة التي تدور في رأسي غريبة.
قلت في قلبي «الله يستر» خاصة من البحريني إذا أراد التفكير بأسلوب خارج عن المألوف.
قال: ما رأيك بأن نشتري برميل النفط ونقوم بتكريره، والاستفادة منه؟! يعني، نشتريه من الدولة وعلينا التكرير، بهكذا نوفر!
أجبته: هل كيف؟!
قال: ركز معاي، برميل النفط وصل اليوم إلى 30 دولاراً أي 11 ديناراً و250 فلساً، وتبلغ سعة البرميل 159 لتراً، أي 42 غالوناً، نشتريه بسعره، ونصفيه فينتج لنا بنزين نعبيه في سياراتنا بسعر أقل من المعروض!
سألته: اترك عنك الإحساس الذي تولد لدي بأنك تريد «تستغفل» على هيئة النفط والغاز، أخبرني كيف ستكرر النفط الخام؟!
قال: نوفر فوق سطح المنزل بعض المعدات المعنية بالتكرير، يا أخي نأخذها ونستوردها من اليابان أو الصين، الجماعة يصنعون أي شيء أنت تفكر فيه.
قلت: طيب افرض نجحت في شراء براميل نفط خام «وما أدري من سيبيعك أصلاً»، وافرض نجحت في الحصول على معدات تكرير ووضعتها فوق السطح، وفي حالة لم يتم القبض عليك بالاشتباه لتصنيع مواد متفجرة والتخطيط لعمل إرهابي، كيف ستستفيد من المشتقات المستخلصة من البرميل؟!
سألني: شنو مشتقات مستخلصة؟!
أجبته: برميل النفط، بعد تكريره ينتج فقط 44% بنزين، ما يعادل 70 لتراً، وإذا افترضنا بأن اللتر من البنزين الممتاز بتسعيرته القديمة أنت استفدت سبعة دنانير فقط. طيب ماذا ستفعل في 32 لتراً من السولار، و16 لتراً من الغاز، وفي النهاية هل تستحق 70 لتراً كل هذا العناء؟!
فكر الصديق قليلاً وقال بالبحريني: شعاد، البترول بنصبه في السيارة، والغاز بنحطه في سلندرات الطبخ، السولار .. ما أدري شباسوي فيه، بس مو مشكلة باتصرف. الزبدة احنه مستعدين نتصرف، بيبيعونه برميل نفط خام وإلا لا؟!
عزيزي القارئ ابتعدنا عن الجدية اليوم لسبب نثق بأنك تدركه، ولو ارتسمت على وجهك ابتسامة فأتمنى من الله أن يديمها، وثق بأن رحمته واسعة، وأنه بالإمكان صناعة الفرح وإيجاد الرضا حتى في القليل المتوفر، مع ضرورة عدم القنوط من فرج الله وتيسيره.
لكن فقط تخيلوا بأن الحديث الذي دار أعلاه بشأن شراء برميل النفط الخام ومحاولة تكريره «بيتيا»، حديث واقعي وحصل بالفعل؟!
ما أقول إلا الله يستر من أفكارك يا البحريني!