بلغ القرض الذي تم جمعه في عام 1916 من أجل تشييد اللسان البحري لفرضة المنامة حوالي 60 ألف روبية. أما قرض تشييد مخازن الفرضة فبلغ 25 ألف روبية، ساهم في تمويل القرض مجموعة من الوجهاء والأعيان بلغ عددهم حوالي 30 يتقدم هؤلاء جميعاً حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي. ونذكر من قائمة المتبرعين يوسف بن أحمد كانو وعبدالله بن حسن الدوسري وعلي بن إبراهيم الزياني وحجي حسن زار حسين الشيرازي والحاج محمد علي زينل علي رضا ويوسف بن عبدالرحمن فخرو وجاشنمال وفاشنمال كملان وحجي محمد طيب خنجي وحجي أبو القاسم وحجي حسن بوشهري وسلمان بن حسين مطر (ص 43 من كتاب «المنامة المدينة العربية.. دراسة نقدية أنثروبولوجية» للدكتور عبدالله يتيم).
هؤلاء كانوا آباؤكم والخطاب لمن يتخاصمون اليوم على رئاسة بيت التجار وهو بيت ضعيف مهلهل، هؤلاء الآباء هم من بنوا وتقدموا وأسسوا، يقرضون الدولة ولا تستطيع الدولة أن تبني مشروعاً إلا بمعونتهم. هؤلاء من أقرضوا الدولة لتأسيس أول بنك بحريني محلي وهو بنك البحرين الوطني الذي تأسس عام 1957، وهو ثاني بنك خليجي بعد بنك الكويت الوطني الذي تأسس عام 1952. حينها قدم حسين يتيم وأحمد كانو ويوسف المؤيد ويوسف علي رضا رأس ماله التأسيسي.
هؤلاء هم من صنعوا التاريخ الاقتصادي للبحرين، هؤلاء من أسسوا المشاريع ومن كان يخلقون الفرص والوظائف، وهم من يقرضون الدولة، ذلك كان قبل النفط.
حتى الخدمات والرعاية التعليمية والصحية قامت على أيديهم بالتعاون مع فرد من عائلة آل خليفة ربما أو بدونهم في كثير من الأحيان، التعليم النظامي في البحرين بدأه وقام به تجار من أهل المحرق وسبقوا بمشروعهم جميع دول الخليج في التعليم.
إلى الخمسينات كان الخليجيون يقولون إن البحرين شوارعها من ذهب، وذلك حين لم يكن هناك نفط ولم تكن الدولة ريعية حينها، هل أخرتنا الريعية؟ نعم ولم تقدمنا على دول الخليج.
يقال إن عيسى بن علي رحمه الله كان يسأل يومياً عن عدد السفن التي ترسو في الفرضة وكلها مملوكة لتجار من البحرين ومن غير البحرينيين، إنما كلما زاد العدد قال الحمد لله البحرين بخير، لأن الضرائب كانت تحتسب على السفن. فزيادة الحركة تعني زيادة ضرائب ومن هذه الضرائب كانت تتشكل الميزانية، نحن أول من نشر ميزانية علنية في الخليج.
ما يميز تلك الحقبة الثرية أنه لم يكن للدولة بأجهزتها أو كأفراد من العائلة أن يتدخلوا في سير الحراك الاقتصادي إلا بالقدر التنظيمي والرقابي وتأمين الطرقات، كان دورهم منظماً ومراقباً، و تركوا الفرصة للتجار ولقناصي الفرص.
نملك مخزوناً تاريخياً لإرث يعلوه الغبار، لوجه آخر للبحرين لكن هذا الوجه من التاريخ البحريني أي الوجه الاقتصادي مجهول لعامة البحرينيين، تاريخ متفرق مبعثر، تحاول بعض الأسر التجارية تجميع شتاته وتوثيقه بجهود فردية. إنه التاريخ الموازي للدولة، التاريخ الموازي للرسمي، التاريخ الشعبي الأهلي المدني لبناة البحرين. بل أجزم أنه مجهول حتى لأحفاد هذه الأسر، ولو سألت أحفاد هذه الأسر التجارية عن حياة أجدادهم وكيف كونوا ثرواتهم لما أجابوك رغم أن أعمار هؤلاء جاوز الثلاثين! لو سألتهم لقالوا لك (امممم نسمع جدي يقول) وغير ذلك لا تسمع منهم.
العجلة لا تعود للوراء ولكن تحفيز القطاع الاقتصادي كي يأخذ زمام المبادرة كما السابق يستدعي ألا تتدخل الدولة أو العائلة أو من هو محسوب عليها في التجارة أو في الصناعة. فاليوم المنافسة صعبة على التجار، بل حتى على أصحاب المشاريع الصغيرة كالمحلات والصالونات والمطاعم اذ حتى في هذه المشاريع الصغيرة المنافسة غير عادلة، فإن شئنا أن ندفع بالناس كي يتركوا عنهم الوظائف وينزلوا للسوق، وإن شئنا أن يبادر التجار للاستثمار داخل البحرين وخلق المشاريع والفرص، علينا أن نعيد الساحة لهم.