بعد أكثر من ثلاثة عقود من إطلاق الشعارات المعادية لأمريكا من جانب نظام ولاية الفقيه في إيران، ولاسيما شعاره الرئيس المعروف «الموت لأمريكا»، وبعد أن صار هذا الشعار إلى جانب شعار»الموت لإسرائيل»، مادة للفت أنظار شعوب المنطقة وكسب تأييدها خصوصاً الشيعة العرب، فإن هذه الصورة قد طرأ عليها تغيير واضح ولم يعد الأمر كما كان معهوداً في السابق.
العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد سقوط نظام الشاه وتأسيس نظام ولاية الفقيه في إيران، مرت بمتعرجات ومنعطفات متباينة، لكن كان هناك خط عام شدد عليه مؤسس نظام ولاية الفقيه أية الله روح الله الخميني وهو رفض أية علاقة مع أمريكا بعد أن وصفها بـ «الشيطان الأكبر»، وأكد أن «اليد التي تمتد من إيران لمصافحة أمريكا ستقطع»، ناهيك عن مقولته المشهورة: «إذا رضيت عنكم أمريكا فاعلموا أنكم على خطأ وإذا مدحتكم فاعلموا أنكم خونة»، بمعنى أن الخميني الذي هو أساس وروح نظام ولاية الفقيه قد أرسى المعاداة لأمريكا كمبدأ أساسي من مبادئ النظام والتي لا تقبل المساومة أو اللف والدوران عليها.
الاستمرار على نهج معاداة أمريكا ورفض إقامة أية علاقات أو اتصالات معها، كان من ضمن أساسيات هذا النهج وكان بمثابة واحدة من أهم وصايا الخميني للقادة الإيرانيين من بعده وعلى رأسهم خلفه علي خامنئي، غير أن هذا الشعار الذي كان بمثابة مصيدة للشيعة العرب وجرهم تحت خيمة ولاية الفقيه، قد كان في نفس الوقت مكلفاً جداً لهذا النظام خصوصاً بعد أن حاصرته المشاكل والأزمات من كل صوب وحدب، وصار ليس من الصعب وإنما من المستحيل الاستمرار في الكثير من المشاريع والبرامج المختلفة لهذا النظام في ضوء استمرار سياسة معاداة أمريكا.
خامنئي الذي خلف الخميني وكومة من المشاكل والأزمات، يجب أن نشير إلى حقيقة أنه لم يكن يمتلك الكاريزما التي كان الخميني يمتلكها ولذلك لم تمض سوى حفنة أعوام حتى وجد نفسه في يم متلاطم الأمواج وهو يقود سفينة النظام بصعوبة بالغة والذي ضاعف من مشاكل خامنئي فيما يتعلق بقيادته للنظام انطلاق الانتفاضة الشعبية المليونية التي حدث في عام 2009، والتي هتف فيها المنتفضون «الموت لخامنئي» و»يسقط ولاية الفقيه»، وقاموا بتمزيق صوره وحرقها وهو ما كسر هيبته وهيبة النظام وجعله في وضع صعب بحيث جاء اليوم الذي يجد فيه نفسه خصماً لرجل كمحمود أحمدي نجاد، ولذلك كان من الصعب عليه أن يستمر في قيادة سفينة النظام والاستمرار في المحافظة على رباطة جأشه من دون درء أخطار وتهديدات محدقة به وخصوصاً فيما يتعلق بقضيتين بالغتي الأهمية وهما:
أولاً: البرنامج النووي الذي أوصل النظام إلى منعطف بالغ الخطورة خصوصاً بعد أن ازدادت الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة عليه حتى جعلت النظام أمام احتمال انتفاضة شعبية أقوى من تلك التي اندلعت في عام 2009.
ثانياً: معاداة أمريكا التي كلفت النظام كثيراً خصوصاً وأن أمريكا وبعد أن صارت متواجدة بصورة مباشرة في العراق وأفغانستان، لم يعد بإمكان نظام ولاية الفقيه الاستمرار في نهجه هذا خصوصاً وأن أمريكا باتت تمتلك مفاتيح الكثير من الملفات وأزمات المنطقة.
القضيتان المذكورتان، واللتان شكلتا أرقاً يقض مضجع خامنئي أضيف إليهما صراع جناح رفسنجاني ضده، وضغطه باتجاه دفعه للقبول بتسوية للبرنامج النووي والذي لم يجد خامنئي بداً من القبول بذلك وتراجعه عن الخطوط الحمر التي وضعها وتجرعه كأس السم النووي، وهو أمر لم يتوقف عند هذا الحد وإنما صار التراجع النووي الإيراني أساساً لتراجع أكبر على صعيد المعاداة لأمريكا، حيث شهدت العلاقات الأمريكية الإيرانية تطوراً ملحوظاً وغير مسبوق وصلت إلى حد قيام السلطات الإيرانية بمسح شعارات الموت لأمريكا في طهران وتحديداً من على جدران السفارة الأمريكية في طهران.
تطور العلاقات الأمريكية الإيرانية واستمرار الانفتاح واللقاءات المستمرة بين الطرفين أثبتت أن خامنئي قد خان نهج ووصية سلفه ومؤسس النظام الخميني، وضرب بشعار «الموت لأمريكا» عرض الحائط من أجل الحفاظ على منصبه وعلى النظام، والنقطة المهمة والحساسة التي نود أن نشير إليها هنا ونتوقف ملياً عندها ونأخذها على محمل الجد والاعتبار هو أخواننا من الشيعة العرب الذين تم تضليلهم وخداعهم بشعارات نظام «ولاية الفقيه» الرنانة وتم توريطهم في العداء، وزجهم بمواجهات كانوا أداة فيها كخطف رهائن والقيام بعمليات إرهابية ظناً منهم أنه جهاد ضد الشيطان الأكبر، ولكن ذاب الثلج وبان المرج وكشفت الحقيقة فإن الولي الفقيه استخدمهم ليس كأداة بل وحتى استغلهم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية فهم كانوا الوسيلة من أجل بلوغ الغاية والهدف.
من هنا يا شيعة العرب انظروا لقول ووصية الخميني جيداً وهو يقول «شكوا بأنفسكم وراجعوها إذا رضيت عنكم أمريكا بل اعلموا أنكم خونة»، فمن فم الخميني أدعوكم لفك أي ارتباط عن نظام ولاية الفقيه والعودة إلى أوطانكم واحضنوها وحافظوا على أمنها واستقرارها فكما يقول الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كرام
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان