مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة وجه إلى تقنين مزايا وامتيازات الوزراء وكبار المسؤولين وتحجيم الصرف على المهام الرسمية، في خطوة من شأنها مواكبة عملية التقشف وضبط النفقات في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم.
وفي هذا الإطار جاء التكليف من سمو رئيس الوزراء حفظه الله إلى كل من اللجنة الوزارية للشؤون المالية وضبط الإنفاق ومجلس الخدمة المدنية برفع المقترحات التي تنفذ هذا التوجه.
وفي المؤتمر الصحافي الذي أعقب الجلسة بين المتحدث الرسمي رداً على تساؤلات في هذا الشأن بأن عملية الخفض ستتم عبر آلية تخلص لها دراسة معنية بالعملية وتتعلق بالمسؤولين بدءاً من أعلى الهرم في الحكومة، موضحاً أنه لا يملك حالياً أية تفاصيل أكثر.
تعقيباً على هذا التوجه نقول إن الخطوة تأتي في اتجاه لازم وحتمي في ظل التوجهات لخفض النفقات وتقليل الصرف، ولعلها خطوة يكون لها رد فعل إيجابي لدى المواطنين، بالأخص وأن المتتبع لردود فعل الناس بشأن الإجراءات الأخيرة يجد فيها دعوات لإعادة النظر في وضع كبار المسؤولين وامتيازاتهم، بالإضافة لضبط أكثر لعمليات الإنفاق في الوزارات، وألا تقتصر الإجراءات على ما يستوجب التأثير على المواطن نفسه.
هذا ما كنا نقوله، وركزنا عليه في مقال الاثنين الماضي، بأنه إن كانت من عمليات تقشف ودعوات لتحمل المسؤولية، فإنها يجب أن تشمل جميع الأفراد لا أن تقتصر على الناس، بمعنى أن الوزراء والمسؤولين هم أول من يجب عليهم تحمل المسؤولية، وإن كانت من مطالبات للناس بالتحمل وحتى التضحية النسبية بأمور فإنه من باب أولى البدء بالمسؤولين وواضعي السياسات قبل الناس، لأنه حتى اللحظة مازال المواطن يتساءل ويستغرب من كونه متأثراً بالتداعيات الحاصلة نتيجة لعمل قطاعات معينة مختصة بالاقتصاد، سياساتها نتيجة فكر أفراد يحملون المسؤولية تجاه القطاع والدولة والناس.
لنبسط المسألة أكثر، إذ إن افترضنا وجود هدر مالي في قطاع ما بسبب سياسة معينة لم تثبت جدواها، وكان مصدرها المسؤولون المعنيون، فمن غير الإنصاف أن يتحمل نتائجها وأضرار تداعياتها المواطن وحده، وعليه لابد من أن يكون المسؤول شريكاً في تحمل المسؤولية.
كنا اعترضنا سابقاً على مقولة «الحكومة بدأت بنفسها» حينما طرحت مسألة إعادة توجيه اللحوم، إذ الواقع الملموس يبين أن المواطن هو من تم البدء به، ولم يلحظ أي تغير على الحكومة أو مسؤوليها يواكب التغير الذي طرأ على المواطن، بل على العكس توفرت مبالغ بالملايين جراء إعادة توجيه الدعم، ما جعل الناس لا تقبل بالجملة.
وعليه فإن هذه الجملة قد تصدق اليوم في شأن تخفيض المزايا وضبطها بالنسبة لكبار المسؤولين في الحكومة، لكنها أيضاً تقود للافتراض بأن العملية قد تتواصل لتصل إلى المواطن في أدنى درجات الهرم وهذا المقلق في الموضوع.
بالتالي السؤال اليوم يتعلق بتفكيك مضمون التوجيه، بحيث تطلع اللجنة المشكلة بتقديم الدراسة أو التصور بهذا التوجيه، تطلع الناس على الامتيازات والمزايا التي سيتم خفضها على الوزراء أو الاستغناء عنها، إذ هذه المسألة مهمة ولعلها تخفف من الشعور بالضيق الذي طال الناس بسبب الخطوات والإجراءات التي اتخذت بشكل اضطراري عطفاً على الوضع الاقتصادي والمالي.
أما بشأن التوجيه بـ»تحجيم» الصرف على المهام الرسمية، فإن كلمة «تحجيم» بحد ذاتها يمكن الخوض فيها بشيء من التفاصيل، حيث تبين أن هناك صرفاً يمكن الاستغناء عنه بخصوص التمثيل الخارجي في بعض المهمات، بمعنى أن يتوجب «كبح» جماح بعض القطاعات وحتى بعض المسؤولين الذين تراهم يداومون في الخارج أكثر من الداخل، وتراهم يشاركون في فعاليات عديدة كبيرة لازمة أو حتى صغيرة لا داع منها، وكلها ينتج عنها صرف من الميزانية يذهب على درجات السفر على الطيران ومستوى الإقامة في الفنادق ومخصصات الجيب والبدلات.
المشكلة أن بعض الحالات تجد فيها مشاركة خارجية لهذا الوزير أو ذاك لكنه لا يشارك لوحده أو يذهب معه مرافق واحد يمثل الجهة، بل تجد عدداً كبيراً من ممثلي الوزارة، والذين أجزم بأن التدقيق في عملية ضرورة وجودهم ستكشف أن بعضهم لا داع لتواجده.
هنا لا يجب أن يخفى على الحكومة أو اللجنة المشكلة بأن المشاركات الخارجية بعض منها أسيء استخدامه بحيث أصبحت تمثل «مكافآت» لبعض الموظفين، أو «تغيير جو» لبعض المسؤولين الذين بودنا أن نراهم أكثر في الداخل يعملون على تطوير قطاعاتهم. وهنا نأمل أن تخلص الدراسة ببيان حجم الصرف وما هي الحالات التي كانت فيها الحاجة ماسة للمشاركة في الخارج وبالعدد المشارك، وما هي الحالات التي لم يكن لها داع.
أخيراً، ومع إيراد ملاحظاتنا، نبين أننا مدركون للوضع الراهن وأبعاده وتداعياته، لكن ما نطلبه بأن يكون هناك حرص واضح في مراعاة المواطن في شأن أي من الخطوات المتوقع اتخاذها مستقبلاً، والتي لا نعرف ماهيتها حالياً.