فرحة الإيرانيين برفع الحظر الاقتصادي عن بلادهم كبيرة، أكدتها البرامج التي بثتها فضائياتها ونبرات صوت قارئي نشراتها الإخبارية، لكن الفرحة الأكبر امتلأ بها وجه ذلك البعض الذي لا يزال يأمل أن تفي إيران بوعودها له فتحقق له ما يريد، من دون أن ينتبه إلى أن إيران بلاد تبحث عن مصالحها وأنها من أجل ذلك يمكنها أن تدوس على كل المبادئ والشعارات، وليس من دليل يؤكد هذا أقوى من توقفها عن نعت أمريكا بالشيطان الأكبر واعتبارها صديقا، بل ليس بعيدا أن تصفها بعد قليل بالشقيق الأكبر والحريص على مصالح الإسلام.
البعض المعني هنا عبر عن فرحته برفع الحظر عن إيران وبدء مرحلة جديدة من العلاقات بين حكومة الملالي والغرب والولايات المتحدة، والأكيد أنه أطلق لخياله العنان وظن أن الطريق الآن سالك لتحقيق ما ظل يأمله طويلاً، فلم يعد لدى إيران ما تنشغل به عنه، لذا فإن المتوقع أن تزداد تصريحاته حدة وتحدياً.
لا يمكن لإيران الآن أن تخطو الخطوة التي يأملها ذلك البعض الفرح، ذلك أن عليها أن تثبت أنها لن تستغل الاتفاق النووي ورفع الحظر الاقتصادي عنها فتتدخل بشكل مباشر في شؤون جيرانها، عدا أن خطوة كهذه لن تؤكد فقط دعمها لذلك البعض وإنما تؤكد أنها وراء كل ما قام به طوال الفترة الماضية وهو ما سيؤثر عليها سلباً، فمثل هذه الخطوة اعتراف صريح بقيامها بذلك.
هذا يعني أيضاً أنه صار لدى إيران حجة قوية لتتنصل من وعودها وما زينته لذلك البعض وستتركه على «الويتنج» لفترة من الزمن ستطول حتماً لأنها ستدخل في مرحلة التعويض عما فاتها طوال السنوات الماضية وسترتبط باتفاقيات مع مختلف دول المنطقة تشغلها عن وعودها وستجد نفسها بذلك أمام خيارين، إما التضحية بمصالحها أو التخلي عن شعاراتها التي لم تجلب لها أي خير، وستختار الثاني من دون تردد.
للأسف فإن مثل هذه الأمور يصعب على ذلك البعض استيعابها، لذا سيظل متعلقاً بالأمل وسيستمر في ما كان فيه معتقداً أن استمرار الفضائيات الإيرانية وتلك التابعة لها في استضافتها له يعني أن إيران مستمرة في التزاماتها وعهودها.
رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران يعني أنها ستشعر بدفء الدينار، ومن يشعر بمثل هذا الدفء تتغير الكثير من أفكاره، وهو ما سيتأكد منه ذلك البعض بعد وقت قصير من الآن.
من هنا فإن الأفضل له، ولكل بعض مماثل، أن يراجع حساباته ومواقفه وينتبه إلى نفسه جيداً كي لا يفيق من سكرته فيجد نفسه معلقاً بين طرفين يلفظانه فيضيع.
هذه حقيقة ينبغي ممن لا يزال يأمل بدعم إيران له أن ينتبه لها، فكل ما ستتكلفه إيران هو أن تعتذر له وتقول إن الأوضاع تغيرت و»إن شاء الله نتمكن من خدمتكم في وقت آخر». ليس هذا الكلام ناقص القيمة كما قد يصفه ذلك البعض أو المتحمسون له والمتعاطفون معه ولكنه كلام واقع وعقل، فلا توجد دولة عاقلة في العالم يمكنها أن تضحي بمصالحها وما يعينها على تهدئة شعبها الذي هو على وشك القيام بثورة ضدها من أجل إرضاء هذا البعض أو ذاك.
مصالح إيران هي التي ستحكم سلوكها في المرحلة المقبلة، والأكيد أنها ستتخلى عن كثير من الشعارات التي ظلت ترفعها طويلا وتدغدغ بها مشاعر البسطاء الذين اعتبروها الأمل بالنسبة لهم فقبلوا بكل مهمة كلفتهم بها وعادوا وطنهم وأهلهم من أجلها.
لن يطول الوقت حتى يرى ذلك البعض أن هذا حقيقة وأن من «شد به الظهر» التفت لمصالحه وترك شعاراته جانباً.