إقناع الناس بتقبل إجراءات التقشف لعدم تصاعد حدة التذمر إلى ما لا تحمد عقباه، وتعزيز العلاقة بين النظام والمواطنين في هذا الوقت العصيب يحتاج لخطوتين رئيسيتين.
الأولى إقناعه بجدية التقشف في الهيئات الحكومية والوزارات والخطوة الثانية إقناعه بأن التقشف جزء من حزمة إجراءات وتدابير تهدف لخروج البحرين من عنق الزجاجة، وأن هناك ضوءاً في نهاية النفق وليس التقشف هو نهاية المطاف.
كيف تقنع الناس بأن التقشف جدي في الحكومة والهيئات وهو يرى هيئات وأمانات عامة ومؤسسات موازينها كبيرة جداً قياساً باحتياجات المواطنين لهذه الهيئات، ولو ألغيت لكان بالإمكان توفير عشرات الملايين إن لم يصل إلى 100 مليون لو يشعر المواطن بالفرق في ظل غيابها؟
كيف تقنع الناس بأنك بدأت بنفسك في التقشف وهناك أنشطة أو فعالية أو احتفالية لا تضيف قيمة مضافة للموارد؟
إن كانت الفعالية أو الاحتفالية لها فائدة أي إذا كان بالإمكان أن أصرف مليون على فعالية وستضيف هذه الفعالية لمواردنا وللناتج المحلي ملايين، فهذا النوع من الفعاليات والاحتفاليات مطلوب وبشدة من أجل تنشيط الاقتصاد، المهم أنك حين تحتسب القيمة الإضافية لهذه الفعالية أو تلك عليك أن تحترم عقل الناس حين تعلن الأرقام والنسب، وتعرف أن المواطن يحسب «الطعام» والقصد نواة التمر وليس الأكل (لغير الناطقين بالبحرينية) على الحكومة وهي تأكل، فلا تضخم ما لا يضخم ولا تزيد على ما لا يمكن زيادته لتقنعني أن هذه الفعالية مفيدة!!
ففي كل وزارة وفي كل هيئة موظف متذمر مستعد للتبرع بالأرقام الحقيقية، وهناك متخصصون في كل نشاط يعرفون كم يكلف النشاط وكم نخسر أو كم نربح منه.
إن استطعت «إقناع» الناس بجدية الحكومة ومؤسساتها وهيئاتها وجميع من هو محسوب عليها أن التقشف جدي عندك تستطيع أن تقنعهم بتقبل التقشف عليهم. وهذا ما يقودنا للخطوة الثانية وهي أنه لا بد من الخروج من دائرة الصمت، لم تترك الحكومة المجتمع والناس ليخاطبهم من يخشاهم ومن يبحث له عن نجومية ومن يزايد على قراراتهم؟ إن كانت الحكومة لديها ردود مقنعة بأن ما تفعله هو الصواب فلم تترك من يزايد عليها ويظهر بمظهر البطولة ليدغدغ فقط مشاعرها؟
كل الدول المجاورة اتخذت نفس الإجراءات التقشفية، لكن مسؤوليهم يتحدثون يتكلمون يشرحون، إلا نحن؟ كل الدول التي اتخذت نفس الإجراءات عمل مسؤوليهم على مزيد من الالتحام بالناس، نزلوا الأسواق تحدثوا مع البسطاء، عملوا مبادرات استثنائية أشعرت الناس أن الكل واحد وأنه لا فرق بين كبير وصغير وغني وفقير، هناك إدراك بضرورة وحدة الصف.
فكروا خارج الصندوق، دعوا عنكم الجمعيات السياسية «هل مازال هناك أحد يتذكرهم الآن؟» على رأي إخوانا الكويتيين «بييه شخباري؟» إشارة لظاهرة اختفت وانتهى زمانها ثم تذكرها أحدهم؟ الجمعيات السياسية بلا استثناء بلا قواعد جماهيرية الآن، من الذي أقنعكم بأن الجمعيات السياسية مازال بإمكانها أن تكون وسيطاً؟
الناس تريد من يخاطبها مباشرة من ينزل لها مباشرة من يشعرها بأهميتها، جميع الأنظمة في الدول المجاورة أدركت أهمية الالتحام بينها وبين مواطنيها الآن، فأنت مقبل على أيام صعبة تحتاج فيها لتعزيز العلاقة بين النظام والمجتمع دون وسطاء، «اللحمة الوطنية» هي التي تجري بين الناس والناس، وهنا دعوا الناس تعود للناس وحدها دون تدخل من الجمعيات، أما اللحمة الوطنية بين الناس والنظام فهي لا تحتاج لوسطاء أبداً، تحتاج لاتصال مباشر.
بإمكان البحرين أن تمر بهذه الأيام الصعبة بأقل الأضرار بل بمكاسب، والبحرينيون شعب طيب كريم صبر على الصعاب دوماً، لكنه شعب يصر على احترام عقليته وذكائه ويحتاج دوماً لتحفيز مشجع ليخرج طاقات مدفونة لديه بإمكانها أن تحول ليل البحرين إلى نهار.