أخيراً أخيراً جاءت خطوة حكومية ممتازة ونشد على يدها، وتسجل لصالح الإعلام والتلفزيون الذي نجح في إقناع الوزراء بالخروج للناس على جهاز يصل لكل بيت والتحدث معهم مباشرة، بغض النظر عن فحوى ما قيل إنما أصبحنا في البحرين ننظر إلى خطوة طبيعية كهذه ومفروضة وتحصيل حاصل وواجبة على جميع الوزراء، أصبحنا ننظر لها على أنها إنجاز كبير إذا تحققت.
لا بأس ... لا نريد أن نكسر المجاديف فالإنجاز يقاس بما كنا عليه وبما حققناه، لا بما هو مفروض وما يجب، وما كنا عليه صمت مطبق في وقت لا يحتمل الصمت، في أشد الأوقات التي تحتاج للتواصل والاتصال، وأصبحنا البارحة لنرى مجموعة وزراء دفعة واحدة على الشاشة، فإن نجح الإعلام في إقناع الوزراء بالظهور وكسر حاجز الصمت فنعمة وإنجاز نصفق له.
إنما هي بداية فقط فالوقت الراهن استثنائي ويحتاج إلى مواصلة هذه الخطوة وعدم التوقف عندها، المرحلة تحتاج لظهور شبه يومي ومنظم وممنهج ومدروس من أعضاء الحكومة وموزع بينهم، فلا تقل ليس عندي ما أقوله، فعند الناس ما تسأله، وهذا هو سبب وجودك في موقعك معالي وسعادة الوزير.
مع احترامي لجميع الوزراء فنحن لا ننتظر ظهورهم وحديثهم للناس لأنهم نجوم فنية أو لأنهم «فوتوجينك» إنما ننتظر ظهورهم وخطابهم لأنهم مكلفين بذلك، فالسياسة التي يضعها الوزير مكلف بشرحها لا لمجلس الوزراء فحسب، ولا لموظفيه فحسب، بل هو مكلف بالرد على استفسارات الناس عليها، فهي من الناس ولخدمة الناس أولاً وأخيراً، وما الوزير إلا عضو في هيكل «الخدمة المدنية» والناس هم شركاؤه، وليس هناك شريك يقبل أن يكون «أطرشاً» في زفة لا تعنيه، لابد أن يكونوا على اطلاع بما تفكر فيه وما تنويه، واحتراماً له لابد أن تخاطبه وترد على استفساراته، مباشرة أو عن طريق ممثليه، أنت ملزم بالرد على الاثنين، وأن تكون الإجابة مدروسة بعناية والخطاب يعكس مدى احترام الوزراء لعقل الناس وذكائهم، فلا يرمي أرقام دون أن يكون مستعداً لإعطاء الشرح لها وتبسيطها وليس في التبسيط إهانة أو تسطيح أو استخفاف، ويبتعد عن الإجابات الاستفزازية حتى وإن كانت غير مقصودة «لا يجوز أن يقول الوزير من لديه اقتراح يطرشلي إيميل»!!
لقاء «أول أمس» كان «لويه» «ستعشالف وزير» في ساعة؟ كيف ممكن أن يغطوا التساؤلات؟ فكل وزير مطالب بالظهور على الأقل في الأسبوع مرة والإجابة بشكل متواصل على استفسارات الناس، ما قيل جيد وممتاز وعناوين تفتح شهية النقاش والبحث والتقصي وتطرق أبواب المواضيع التي يسأل عنها الناس لكن دون تفاصيل.
الخلاصة لقاء الأمس كان حدثاً بحد ذاته دون النظر لفحوى ما قيل، رغم أنه كانت هناك أرقام وإحصائيات مطمئنة وإيجابية، وهذا ما يحتاجه السوق حالياً، فالسوق يتأثر كثيراً بكل صورة ومؤشر إيجابي، السوق ترفعه إشاعة وتخفضه أخرى، البورصة وأسعار النفط والعقار وأي سلعة تنشط وتخمل بسبب تصريح أو كلمة، فلا يكن هذا اللقاء «بيضة الديك» التي ظهرت لمرة وكأنها نعمة يجب أن يقبل المواطن والمستثمر يده ظهراً وبطناً عليها ويسكت ولا يطالب بالمزيد.
لا نريد أن نقلل من الخطوة التي جرت، لكننا نريد أن نرشد الخطاب ونسلك خطوط الاتصال بين أعضاء الحكومة وبين الناس، فنحن نعرف الوزراء فرداً فرداً، والكثير منهم شخصيات ودودة وخلوقة جداً، لكن الحواجز التي وضعت، وسياسة الصمت التي تمسكوا بها، وامتناعهم أو قلة ظهورهم خلقت هذه الحواجز بينهم وبين الناس، والأهم اعتقاد الكثير منهم أن الظهور في التلفزيون مسألة «برستيج» يترفعون عنه أو أنهم يفضلون أن يعملوا بصمت!! أي صمت يا أخي في ظرف استثنائي كهذا يفسر على أنه تخبط وضياع وضعف حجة ومنطق.
هناك تذمر كبير من الناس حتى قبل سياسة التقشف بسبب قلة مخاطبتهم أو عدم معرفة كيف يخاطبهم الوزراء أو الاستخفاف بذكائهم، الوزير ليس مطلوب منه أن يكون «طيب» و«حباب» وله شعبية و«كاجول»، الوزير معني بتسويق سياسته لا تسويق نفسه، وهناك فرق شاسع كبير في هذا المفهوم عند بعض الوزراء، فبعض الوزراء والمسؤولين والمستشارين لا يدركونه، فإن كان المواطن يغض الطرف عن إهمال التواصل معه في أوقات الرخاء، إلا أنه يصبح إنساناً قابلاً للاستفزاز لأقل خطأ في وقت المحن والشدائد، فليحاسب كل مسؤول على كل كلمة وكل صورة ينشرها في هذا الوقت بالذات، فهي لا تمسه بل تمس النظام بأسره لأنه محسوب عليه، يجب أن تسخر كل وسائل اتصال لدى المسؤولين سواء كانت خاصة أو عامة تقع في يد أي من المسؤولين الآن لترويج سياسة الدولة وتوضيحها وشرحها فقط لا غير، ولمخاطبة الناس بما يحترم عقلهم وبما يحترم مشاعرهم، هذه هي اللحمة الوطنية التي ينتظرها الناس بينهم وبين النظام في وقت الشدائد.