كلنا يدرك حجم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها دول الخليج العربي، هذه الأزمة التي يمر بها العالم جراء انخفاض عائدات النفط وتدني مستوياته للحدود الدنيا، إضافة للكثير من العوامل السياسية والاقتصادية المختلفة، وعليه سارعت غالبية دول الخليج باتخاذ حزمة من الإجراءات المالية الوقائية خوف وصول سعر برميل النفط لأقل مستوياته بطريقة تنذر بكارثة.
هذه المسألة واضحة لكل الناس، ولا تحتاج لتبيان، ولا تحتاج لشرحٍ اقتصاديٍ من بعض المسؤولين الذين يطلون علينا برؤاهم كل دقيقة لتبرير الضغط على المواطن الخليجي. هذه الأزمة الاقتصادية العميقة تحتاج إلى خطط إستراتيجية واضحة من طرف دول الخليج العربي، لكنها لا تحتاج إلى مزيد من الضغط الشديد على جيوب الناس في هذه المنطقة، بل ما نحتاجه اليوم هو العكس من ذلك، وهو أن ترفع الحكومات بعض الضغط عن كاهل المواطنين بدل الإمعان في اتخاذ القرارات!
ما نعنيه هنا هو عدم صحة بعض التدابير الاقتصادية التقشفية الحادة التي تقوم بها بعض الدول الخليجية، وذلك حين بالغت في معاقبة المواطن لذنب لم يقترفه ولم يساهم فيه ولو من بعيد خلال هذه الأزمة الاقتصادية، وعليه يجب ألا يدفع المواطن الخليجي فاتورة الأخطاء المالية التي ارتكبتها بعض الجهات، ولا يجب عليه أيضاً أن يسدد فاتورة تدني أسعار النفط من جيبه الخاص. ليس هذا وحسب، بل يجب على دول الخليج العربي إذا كانت مضطرة لدخول مرحلة التقشف الاقتصادي عبر خطط مالية حاضرة ومستقبلية أن تجنب المواطنين قدر المستطاع المشاركة المباشرة في دفع قوت يومهم لمعالجة أخطاء لم يكن لهم فيها أي قرار!
إذا كان لا بد من أن يشرك المواطن الخليجي في دفع جزء من فاتورة الإصلاح الاقتصادي أو المشاركة غير المباشرة في برامج التقشف الحكومي فإنه يجب ألا يدفع نصيب الأسد من تلكم الفاتورة، أو أن يدفع أكثر مما يتحصل عليه من المال، بل يجب أن تضع دولنا الخليجية في اعتبارها أن المواطن هو الذي يجوز له أن يدفع أقل التكاليف المفترضة لفاتورة سد العجز الاقتصادي الرسمي وليس العكس.
هذه الأفكار لا يمكن أن تقع إلا في العقلية الاقتصادية التي تدرك معاناة الناس قبل معاناة الدولة، وأن من يدفع ضريبة الأزمات الاقتصادية هي «الدولة» بالدرجة الأولى، وفي ذيل قائمة المانحين الواهبين من جزيل العطايا لمعالجة الأزمة الاقتصادية هي الشعوب ومن لف لفها من المقيمين والعاملين وغيرهم، وبطبيعة الحال، فإن هذه الاعتبارات تحتاج إلى أنسنة الاقتصاد وتفريغه من التوحش الرأسمالي قبل معاقبة المواطن على جرم غيره وعلى الكثير من الأقدار التي لم ترسمها نواياه وأعماله في وطن يعشقه حتى وإن أفلس.