جاء في افتتاحية صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية التي حملت عنوان «الصفقة مع إيران» فور بدء تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن طهران أن «التجارة بين الأمم شيء جيد، ليس لأن العالم سيصبح أكثر غنى فقط، بل لأنه يزيد من نسبة الأمان» وأنه «من هذا المنطلق، فإن رفع العقوبات عن إيران يعد أمراً إيجابياً، لأن التبادل الاقتصادي مع الدول التي كانت تتهم في السابق باستهداف طهران سيجعل الشعب الإيراني يتجاوز خطاب الكراهية الذي كان يتبناه حكامه من الملالي»، وهو كلام يمكن اعتباره صحيحاً مائة في المائة لولا جزئية «سيجعل الشعب الإيراني يتجاوز خطاب الكراهية» والسبب هو أن إيران لا تستطيع أن تعيش خارج خطاب الكراهية الذي تأسست عليه واعتمده حكامها أسلوباً للسيطرة على الشعب الإيراني فصار جزءاً من سلوكه. أيضاً ليس صحيحاً القول إن ملالي وحكام إيران «كانوا» يتبنون خطاب الكراهية حيث الصحيح هو أنهم «كانوا ولايزالون» ، و«كانوا وسيستمرون» في التدخل في شؤون الدول الأخرى وخصوصاً دول مجلس التعاون، فهم لا يرون في المشهد إلا أنفسهم، وهم وضعوا لأنفسهم أهدافاً حالمة سيستمرون في السعي أملاً في تحقيقها خصوصاً بعد رفع العقوبات عنهم ومواصلتهم محاولاتهم للتفوق العسكري الذي يأملون باستمرار السير فيه السيطرة على المنطقة وفرض توجهاتهم.
أبداً لن يتغير شيء لا على الشعب الإيراني ولا على حكومته، وفي الغالب فإن الجو الربيعي الذي تعيشه إيران هذه الأيام بسبب رفع العقوبات الاقتصادية عنها لن يطول، ذلك أن حكومة الملالي تنظر إلى موضوع رفع العقوبات على أنه انتصار سياسي، والأكيد أنها ستضيع هذه الفرصة سريعاً بسبب سياستها التي لن تتغير، وليس بعيداً أن تورط نفسها في قضايا أخرى حكمها فرض عقوبات جديدة عليها تظل تعاني منها سنين طويلة ويذوق الشعب الإيراني خلالها الأمرّين من جديد.
نعم، لو أن حكومة الملالي عرفت كيف تطور علاقاتها التجارية مع جيرانها ومختلف الدول فبالتأكيد ستأكل حتى الشبع وسيكون لها دور في استقرار المنطقة، حيث المنطق يقول إن من يسعى إلى المحافظة على مكاسبه الاقتصادية لا يغامر بالدخول في مشكلات مع الآخرين كي لا يخسر هذه المكاسب، أي أنه لا يسمح للسياسة أن تسيطر على تفكيره وتتحكم فيه، فالسياسة يمكن أن تدمر في لحظة واحدة كل ما يبنيه الاقتصاد في سنوات.
الحقيقة التي يراهن الكثير من المتابعين للشأن الإيراني عليها ويؤكدونها هي أن هذه الدولة لن توقف مغامراتها في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في اليمن ولا في القارة الأفريقية التي بدأت فيها مشوار قلب كيانها ولا في كل مكان صار لها فيه موضع قدم، وستستمر حتماً في توتير العلاقة بينها وبين غيرها من الدول خصوصاً تلك التي تتواجد في تلك الساحات لسبب أو لآخر، وما قد تكسبه من الاقتصاد ستصرفه على تلك المغامرات التي لا تجلب لها سوى العداء والعقوبات.
اليوم ستسعى حكومة إيران إلى تطوير علاقاتها مع الدول التي لم تقطع معها علاقاتها الدبلوماسية وستغريها بالامتيازات وقد تصل معها إلى مرحلة متقدمة تفيض خيراتها على شعبها الذي قاسى بسببها طويلاً وكثيراً، لكن بما أن «بوطبيع ما يجوز عن طبعه» لذلك فإنها سرعان ما ستشوه كل جميل تحققه في هذا المجال. أما الدول التي اتخذت منها موقفاً بسبب تصرفاتها الخاطئة في الفترة السابقة والأخيرة منها على وجه الخصوص فإن الأكيد هو أن هذه الحكومة لن تحاول أن تصلح العلاقة معها حيث العقلية الفارسية تدفعها للسير في طريق اعتبار من اتخذ منها موقفاً صار عدواً أبد الدهر.