مازلنا نطالب بدعم قطاع الثقافة بشكل كبير ومباشر، هذا هو رأينا، في الرخاء وتحت قيود الشدة، وهو رأينا الذي لم ولن يتغير، حيث نعتبر قطاع الثقافة من أكبر قطاعات الدولة الحديثة التي يمكن أن تسندها عند وقت الأزمات، فالثقافة يمكن لها أن تسد العجز الحاصل في ميزانية الدولة، كما إنها تسد الفراغ الاجتماعي والسياسي لو جاءت في سياقها الصحيح.
جاهل من يعتبر الثقافة نوعاً من أنواع الترف، ولا يفهم في الاقتصاد من يضعها في خانة الخسائر المادية والصرف غير الرشيد، فهذا الأمر لا يحصل في كل دول العالم إلا في البحرين، فالكثير منَّا يصنف الثقافة بأنها أمر هامشي لا يرقى لأي أمر آخر، كما يصنفونها بعضهم بوصفها مضيعة للوقت والجهد والمال، متجاوزين كل التعريفات الحقيقية للثقافة، ومتعامين عن كل إمكاناتها التي ربما تكون أكثر دخلاً من النفط لو تم استثمارها بطريقة صحيحة.
ما يجعلنا نطرق هذا الباب مرة أخرى، هي الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المنطقة والبلاد، إذ لدينا كامل اليقين أن من أكبر المشاريع التي ما يمكن لها أن تدر أرباحاً فلكية على الدولة هي مشاريع الثقافة، تلكم التي تستطيع جلب كافة أنواع الاستثمار السياحي وتنشيط قطاع السياحة بكل أنواعه وأشكاله. ربما يتخوف البعض أو يتردد بدعم الثقافة في البداية، لأنها تحتاج لموازنات ضخمة عند الانطلاق، لكنها بكل تأكيد تدر أرباحاً هائلة تفوق كل ما يمكن أن يُصرف عليها منذ البداية وحتى النهاية، وهذا الأمر لا يحتاج إلى مغامرة من طرف الدولة، بل يحتاج إلى دراسة جدوى حقيقية لفكرة دعم الثقافة، والتمتع بعقلية المسؤول المثقف الذي يقدر هذا القطاع فيدفع باتجاه دعمه بكل الإمكانات المتاحة.
إذا لم تنجح المشاريع الثقافية في جلب رؤوس الأموال إلى خزانة الدولة - وهذا أمر لا يمكن حدوثه - فإنها بكل تأكيد سوف تتحصل على مبالغ دعمها، وفي هذه الحالة فإنها لن تسجل أي خسائر لموازنات الدولة، بل سترجع كل فلس لخزانتها لو لم تنجح في تدفق الأرباح لها مرة أخرى.
هنالك الكثير من دول العالم اليوم لا تملك نفطاً ولا ذهباً ولا شيئاً من الثروات الطبيعية، لكنها تملك كل عوامل ومقومات النجاح الاقتصادي من خلال مشاريعها الثقافية والسياحية، ونحن في البحرين نستطيع استنساخ تلكم التجارب الرائدة في مجال الثقافة لتعزيز وتنويع مصادر الدخل الرسمي - خاصة ونحن نملك كل مقومات الثقافة والسياحة - دون الاستماع للمحبِّطين والمثبِّطين الذين يرون الثقافة مجرد ترف عابر، أو كما يحلو لبعض الجهلة الذين يطلقون عليها ظلماً «بالسخافة»، ولهذا فإنهم يقفون ضد كل مشاريعها لأنهم لا يدركون حجم عظمتها وعطائها الحضاري ناهيك عما تجنيه من ثروات. هذا الأمر يحتاج إلى تغيير عقلية المسؤول والمجتمع، أمَّا الثقافة فهي أكبر من أن تتغير أو تتبدل أو ترد على جهلة يسخرون من قامتها في مقابل النفط، فهي الاستثمار الحقيقي في الإنسان ومقدراته.