رب ضارة نافعة، إذ شهد النفط خلال اليومين الماضيين ارتفاعاً بنسبة 10%، ليصل سعر مزيج «برنت» إلى 32.18 دولار للبرميل، و32.19 دولار للخام الأمريكي، والسبب في ذلك موجة برد شديدة وعواصف ثلجية أصابت الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي أدى إلى صعود أسعار زيت التدفئة.
يحصل ذلك في وقت أعربت فيه بعض الدول الكبرى المستهلكة للنفط عن مخاوفها من أن تشهد موجة برد قارس وصقيع عنيفة، مثل الصين وبعض الدول الأوروبية، ما يعني أن العملية إن استمرت فإن النفط قد يشهد نوعاً من التعافي.
وكالة «بلومبيرج» الاقتصادية أكدت في تقرير لها أن النفط يحتاج للارتفاع إلى حاجز الـ34 دولاراً للبرميل، حتى يثبت تعافيه، كما إن الدولار ارتفعت قيمته السوقية جراء ذلك، في حين ارتفع الروبل الروسي 5% وهو الذي كان تضرره بشكل فادح جراء انخفاض الأسعار، باعتبار روسيا من الدول المعتمدة على النفط، وأنها ستكون من أكبر المتضررين مع فنزويلا جراء ما يحصل.
ارتفاع الأسعار هذا جاء بسبب «الطبيعة» وتقلبات الجو، وهي المسألة التي لا يتحكم بها البشر، الأمر الذي جعل البعض يتنفس، خاصة ممن يرون أنفسهم متضررين جراء «حرب النفط» الدائرة اليوم، والتي تمضي في اتجاه لكسر اقتصاديات دول معينة، مثلما يحصل مع إيران التي لم تهنأ برفع العقوبات عنها بسبب حالة «الغزل الأمريكي» فإذا بها مضطرة لبيع نفطها ومخزونه الكبير بسعر زهيد ويصل إلى خُمس سعره لو كانت العقوبات مرفوعة قبل سنوات، حتى إن اليونان التي عانت من انتكاسة اقتصادية كبيرة سارعت لتكون أول دولة تستفيد من النفط الإيراني بسعره الرخيص، وهو أمر منطقي، فالمستفيد من الوضع هي الدول غير النفطية والمستوردة له، والتي يجعلها الميزان الاقتصادي في حالة انتعاش، على حساب الدول المصدرة والمنتجة التي اضطرت لخفض النفقات في جوانب أخرى نظراً لخسائرها جراء هبوط سعر النفط، وبالتحديد من برمجت ميزانياتها وأوجه صرفها على حد معين يفوق بكثير السعر الحالي.
إيران متضررة مما يحصل، أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تعاني بوضوح خاصة في ظل ارتفاع كلفة استخراج النفط الصخري، وقيام شركاتها بتقليل للمصروفات بشكل اضطراري وتسريح لكثير من القوى العاملة، بل وتأثرت مشاريع بقيمة مليارية، مثلما أوضح استشاريون في شركة «ماكنزي» بأنه تم تأجيل 46 مشروعاً نفطياً كبيراً من قبل شركات النفط والغاز الكبرى، كان هدفها استثمارياً بحتاً وبقيمة تبلغ 200 مليار دولار!
حتى ممن يعدون امتداداً للنفوذ الإيراني السياسي مثل العراق، وصل لمرحلة يبيع فيه النفط بسعر زهيد جداً.
فبحسب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فإن اقتصاد بلاده متضرر بشكل رهيب، فسعر التعادل الذي حدد لبرميل النفط في الموازنة 45 دولاراً، لكن العراق يبيع البرميل اليوم مقابل 23 دولاراً، وبتفصيل أدق، بين العبادي أنه لو تم اقتطاع كلفة إنتاج البرميل، فإن المتبقي هو 13 دولاراً فقط!
إيران متخوفة من استمرار هذا الوضع، ويرى بعض المحللين أن الهدف من «حرب النفط» هذه والتي بدأت بضوء أخضر من جانب المملكة العربية السعودية هو كسر إيران وروسيا، وبالفعل نتائجها باتت واضحة، لكنها ليست بمعزل عن تأثر دول الخليج منها. والقلق الإيراني بات واضحاً عبر تصريح بثته «رويترز» لوزير النفط الإيراني بيجن زنغنه يقول فيه إن أي اجتماع طارئ لـ»أوبك» سيضر بسوق النفط الخام إذا لم يُتخذ قرار بدعم الأسعار الآخذة في التراجع، محذراً من آثار سلبية للاجتماع. طبعاً فحوى الكلام واضح، وكأنه استجداء غير مباشر للمنظمة حتى تقرر زيادة السعر.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا من بين آخر تطورات موضوع «النفط»، يتمحور حول سعر النفط، وهل سيعود لسابق عهده؟! وهل ستتغير السياسة المتبعة في عملية التحكم بالسعر وكمية الإنتاج؟!
مع «النفط» يصعب التكهن دائماً، فرغم أننا نعيش حالة مشابهة لما حصل في أواخر القرن الماضي من نزول للنفط لهذا المستوى، إلا أن التنبؤات حينها أشارت لمزيد من الهبوط، لكن النفط قفز لسقف قياسي كاد يصل لحاجز الـ200 دولار. وعليه فإن هناك تنبؤات متفائلة مثل توقع لبنك «يو بي أس» لإدارة الثروات بأن النفط قد يصل لحاجز الـ70 دولاراً في عام 2016، لكن ما يحصل واقعياً لا يعطي مؤشرات في هذا الاتجاه.
الخلاصة بأننا نخوض مرحلة «ضبابية الملامح»، السياسة تتحكم فيها بمقدرات الاقتصاد، سنشهد معها أياماً عصيبة، لربما تدفعنا لتمني غرق أمريكا بشكل يومي بعواصف ثلجية، أو تعرض أوروبا وروسيا لموجات صقيع لا تتوقف، حتى يضطر سعر النفط للارتفاع كما حصل في اليومين الماضيين.