فيما يبدو أنها حركة لاحتواء الموقف الصعب الذي نتج عن تسهيل الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد يوم الاحتجاج على تنفيذ حكم الإعدام في السعودي نمر النمر، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية أخيراً أنها «حددت الأشخاص المتورطين في هذا العمل واعتقلت الشخص المسؤول عن الهجوم على السفارة وإنه تم إعداد تقرير حول ملابساته وهو الآن جاهز لرفعه إلى خامنئي». حسب الخبر كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد كلف وزير الداخلية مسؤولية دراسة القضية وأنه تم تشكيل لجنة للكشف عن جميع أبعادها وزواياها. الداخلية الإيرانية قالت «جميع أبعاد قضية الهجوم على السفارة السعودية قد اتضحت لنا»، وأوضحت أن «الأفراد الذين قاموا بهذا التصرف كانوا منظمين ويزاولون أنشطتهم منذ أكثر من 10 أعوام في كرج وطهران وغالبية أنشطتهم كانت تحت عنوان الشؤون الخيرية والأنشطة الدينية».
جميل أن تحاول طهران احتواء الموقف بغية إغلاق ملف هذه القضية التي تورطت فيها لكن المرجو هو ألا يتم رمي الأبرياء ومعاقبتهم على جريمة لم يرتكبوها وربما لا يعرفون عنها شيئاً، ذلك أن ما احتواه هذا الخبر يعين على التشكيك في الرواية أو على الأقل في أجزاء منها، فليس معقولاً مثلاً أن يزاول أشخاص أنشطة عدائية في دولة بوليسية مثل إيران لأكثر من عشر سنوات ولا تستطيع المخابرات الإيرانية اكتشافهم رغم أن المراقبة في إيران تتم بطريقة رجل لرجل مثلما هو الحال في سوريا منذ عهد رئيسها السابق، كما إنه ليس معقولاً أن يحتاج الأمر إلى ثلاثة أسابيع لتبين وجوه المهاجمين الذين تتوفر الفيديوات الفاضحة لهم، تماماً مثلما أنه ليس معقولاً أن ينتظر المرشد الأعلى ووزير الخارجية كل هذا الوقت كي يقولا إن الاعتداء على مبنيي السفارة والقنصلية كان خطأ كبيراً.
أما ما يدفع نحو التشكيك في الخبر بقوة فهو قول مساعد وزير الداخلية الإيراني «بطبيعة الحال لم يكن هؤلاء مدعومين من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة ولا من قبل منظمة التعبئة «الباسيج»»، وأن «العنصر المتورط بحادث السفارة السعودية قد ألقي القبض عليه خارج البلاد ومن ثم نقل إلى الداخل وهو الآن يخضع للتحقيق»، فمثل هذا القول لا يفهم منه سوىأنهم يريدون تبرئة «الباسيج» من الجريمة ومن ثم تبرئة النظام، فمن الأمور التي قيلت إثر الهجومين على السفارة والقنصلية واعتبرها الكثيرون معقولة ومنطقية هو أن المهاجمين عناصر من «الباسيج» وأن إيران تعودت على القيام بمثل هذا العمل عند الهجوم على السفارات وغيرها حيث يتم تكليفهم بالقيام بهذه المهمة خصوصاً وأنهم لا يرتدون ملابس رسمية تميزهم «الباسيج أو البسيج تعني التعبئة أو قوات التعبئة الشعبية»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين الذكور والإناث أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وهي تتبع الحرس الثوري الإيراني «الباسدران» الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى للجمهورية. قوات الباسيج تضم أيضاً مجموعات من رجال الدين وتابعيهم، ويصل عددهم إلى نحو مائة ألف يرتفع عند الحاجة إلى مليون».
رواية الداخلية الإيرانية قد تكون صحيحة، ولكن قد تكون غير صحيحة أيضاً وتهدف إلى تبرئة عناصر «الباسيج» والنظام وإلصاق التهمة بأبرياء أو متورطين في جرائم أخرى ويريدون التخلص منهم أو ربما كانوا متطوعين لإنقاذ بلادهم من الموقف الصعب الذي صارت فيه خصوصاً بعدما أدانها العالم كله.
ما تقوم به إيران حالياً من عملية البحث عن متورطين في الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية يماثل قيام الطالب بالمذاكرة بعد أداء الامتحان!! لكنه في كل الأحوال ربما كان الأمر مفيداً، ففي الأعراف الدبلوماسية يمكن اعتبار هذه التصريحات وهذه المحاولات تعبيراً عن الأسف والاعتراف بالخطأ وأساساً لتصليحه.