في البداية سنقول إنه «مع احترامنا الشديد لأعضاء مجلس النواب كأشخاص»، باعتبار أن هذا المجلس اختلف عن سابقيه في «سعة صدره» في عملية تقبل النقد، وبانت «حساسية» بعض النواب المفرطة في التعاطي مع آراء «الناس الذين انتخبوهم»، وأكرر «الناس الذين انتخبوهم»، أو الصحافة التي تنتقدهم، وتمارس نفس الحق المكفول لأعضاء مجلس النواب، في انتقاد أداء الحكومة، مع صلاحيات لاستخدام أدوات دستورية عدة.
لذا مع الاحترام للأشخاص، نقول إننا كمواطنين حينما نريد أن نوصل صوتاً، أو ننتقد وضعاً، أو نتوجس من إجراءات قد تطالنا، أليس منطقياً في ظل وجود أعمدة للمشروع الإصلاحي وللعمل المؤسساتي متمثلة بالسلطات الثلاث، أليس منطقياً أن يقف مجلس النواب مدافعاً عن حقوق الناس، بحيث يكون هو الجهة التي نتوجه لها؟!
بالتالي أجيبونا، هل أنتم بالفعل تدافعون عن حقوق الناس؟! وهنا السؤال يبحث عن جواب يتمثل «فعلياً» على أرض الواقع بالأفعال والقرارات، لا بالكلام والتصريحات، فالناس وصلت لمرحلة ملت فيها من الكلام والتصريحات والتلويحات والوعيد.
الميزان مختل هنا بشأن الدور الذي يمارس ويلعب، إذ الناس باتت تقول إن الدولة والحكومة أحن عليهم من المجلس نفسه! وبعض الناس يقول إن تقليص مزايا الأعضاء وتقليل مكافآتهم والوصول حتى لإلغاء المجلس «في طرح مبالغ فيه»، سيكون أفضل في وضع التقشف وتقليل المصاريف!
هذا الانطباع لم تصنعه الصحافة ولم يصنعه الناس، وأيضاً في نسبة كبيرة منه لم تصنعه الدولة، بل هو صنيعة المعنيين بخلق صورة إيجابية أو سلبية عنهم، ومن يقول غير ذلك، إما أن يوضح ما يعنيه بدقة وشفافية، أو يقر بمسؤوليته.
مثلاً، في شأن عملية استجواب وزيري النفط والمالية، شخصياً لم أعول الكثير وجزمت ألا يمضي النواب في هذا الطريق، وأنه لن تكون هناك «ورقة ضائعة» يتحجج بها، وذلك بسبب المؤشرات الواضحة التي تبين أن النواب لم يفعلوها في السابق حينما كان الأداء أقوى، فكيف سيفعلونها اليوم، في وقت رأينا بعضهم وللأسف نشر مقاطع لمداخلاته بالأخص التي يصرخ فيها ويتكلم بغضب فقط «إبراء للذمة» أمام الناس في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى من لم ينطق قبلها تكلم ونطق، في سعي واضح لامتصاص غضب الناس، وكأنها رسالة تقول «فعلنا ما علينا»!
الله يسامحكم، حتى عملية الاستجواب نفسها، ما قيمتها أصلاً اليوم؟! تغيير الوزيرين؟! طيب، وتم التغيير، سيأتي من يخلفهما، وستظل السياسات المقرة مقرة ومطبقة!
المسألة أكبر من استجواب وطرح ثقة بعد أن تقر الأمور وتفعل، المسألة معنية بتأسيس حراك برلماني صحيح لا يكون بمعزل عن الناس، ولا يكون متحيزاً للسلطة التنفيذية على حساب من أوصل النواب لمقاعدهم من خلال صوته.
جلالة الملك حفظه الله حينما أعاد الحياة البرلمانية، كان الهدف بأن يكون البرلمان «صوتاً للناس»، فهل بالفعل كان صوتاً لهم؟! وإن أجاب بعض الأعضاء بـ«نعم»، فلماذا إذا الناس زادت في نسبة نقدها القوي للبرلمان، ويكفيكم فقط الاطلاع على آرائهم بخصوص عملية الاستجواب والقول إنها غير ذات «صلاحية»! كان الهدف بأن يكون «شريكاً» في اتخاذ القرار، فهل أنتم بالفعل شركاء؟! وإن قلتم «لا» فما هي الأسباب؟! وما هو الحل لديكم ليتم تصحيح المسار؟!
أشك بأن هناك مواطناً واحداً يريد لمجلس النواب الفشل، أو يفرح بالنقد الذي يتعرض له، لأن الهدف هو تمثل هذا البرلمان بـ«المدافع» عن الناس، والمراقب لأداء الحكومة، والمتقدم بتشريعات تسهل حياة البشر وتخدم البلاد في مختلف الأوجه والأصعدة.
لكن ما يحصل لدينا، لا يتطابق مع التطلعات التي بدأت مع عودة الحياة البرلمانية، ولا يمكن القبول أبداً بأن يطالعنا بعض النواب بـ«موقف العاجز» اليوم، وأن يسلم بالأمر ويمضي وكأن الأمور عادية.
هناك أعضاء في البرلمان نقدر لهم مواقفهم، ونشكر لهم وقفاتهم، لكن المؤسف بأن أصوات ومواقف القلة تضيع أمام مواقف الكثرة، وإن كان المشهد العام سلبياً، فإن الشر يعمم على الجميع، والمواطن اليوم في ظل الأوضاع التي يعيشها لا يملك «مساحة صبر» أو «هامش حلم» ليقبل أعذار النواب، أو يبحث لهم عن بعضها.
أتابع ردود فعل الناس في مواقع التواصل بشأن البرلمان، وأتحسر على الشعور الذي يعتريهم، وبعضهم عبر بوضوح بأن «صوته ضاع» وأن من منحهم الثقة «خذلوه»، أحدهم يقول إنه ذهب ليصوت فقط حتى يرد بقوة على من هدد بتصفير الصناديق، ومنهم من قال إن صوته لأجل البحرين ولن يتوقع من النواب شيئاً!
كلنا مع بلادنا وقيادتنا، لا نحيد عن ولائنا لهم قيد أنملة، وفيما نقوله هنا أصلاً هو دعم لديمقراطية البحرين وسعي لتقوية الأداء البرلماني الذي يمثل الشعب، فقوة البرلمان تصدر فقط منه، ثقله ووزنه لدى بقية السلطات والشارع هو من يصنعهما بمواقفه، كثرة اللغط ومماحكة الوزراء بالكلام لا تنفع في ظل هذا الوضع، لكن المتابعة والمحاسبة والمراقبة وعدم التهاون هي ما تجعل الأطراف المتعاملة مع البرلمان تحسب له ألف حساب.
نريد برلماناً قوياً، يمثل المواطن، ويساعد الدولة في خدمة الناس، نريده عوناً لنا لا علينا.