بغض النظر عن استجواب الوزيرين الحالي مر أم لم يمر، بغض النظر عن تفهم النواب أو عدم تفهمهم لمغزى ومفهوم التعاون مع الحكومة، إنما هل تجدون أن مرور 15 عاماً وأربعة فصول تشريعية على مشروع الإصلاحات السياسية لم يصعد فيها وزير واحد على منصة الاستجواب أمر طبيعي؟
أبعد كل الإصلاحات التي منحت والحريات والحقوق التي وفرها الدستور للمجتمع البحريني والتي نفاخر بها الأمم نخشى من صعود وزراء -وهم موظفون عموميون- للإجابة عن أسئلة نواب الشعب؟ كل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل حماية فلان أو علان من الوقوف العلني والإجابة عن الأسئلة والاستفسارات والتي قد ينتج عنها طرح ثقة وقد لا ينتج بل تجدد للوزير الثقة؟
تخوفنا من سوء استغلال هذه الأداة الدستورية تخوف مبالغ فيه جداً، إلى الدرجة التي جردت هذه الأداة من جوهر حقها ومغزاها فمنعت القيود التي وضعت عليها أن تتحقق أداة رقابية طبيعية جداً هي من أولويات أي إصلاح سياسي حقيقي، مما أساء لواقع وحقيقة المشروع العظيم الذي تباهي به البحرين المنطقة كلها، وأساء لسمعته الدولية التي دافعنا عنها وحاربنا من أجلها وسنظل نحارب من أجلها وندافع، فالإصلاحات لم تقف عند تلك الأداة فحسب، إنما تقييد هذه الأداة تحديداً بهذا الشكل لا نرتجي منه أي فائدة سوى حماية هذا الوزير أو ذاك من الصعود للمنصة، وحتى لو كان الغرض من تلك القيود حماية منصب الوزير لا الوزير بحد ذاته، حتى لا تتردد الكفاءات بقبول منصب الوزير هو تخوف في غير محله، هل تصدقون فعلاً أن أي شخص محترم وكفاءة فعلاً سيخشى الصعود للمنصات؟ هذا التخوف غير صحيح بتاتاً، أولاً هناك كفاءات لا تخشى أن تصعد المنصة، وقادرة ومستعدة للإجابة بل وقادرة على رد الإهانة إن حدثت، وهناك أشخاص ليس عندهم مشكلة أصلاً ومستعدة أن تتعرض للإهانة اليومية وتعتبرها (ماي ورد) المهم أن يكون سعادة الوزير، فمسألة إن فك القيود عن هذه الأداة سيحرمنا من الكفاءات .... اسمحوا لي نظرة بعيداً جداً عن الواقع، ستجدون دوماً طابوراً من الأشخاص على قائمة الانتظار منهم الكفاءات ومنهم (الخرطي).
ثم من قال إن الاستجواب إهانة أصلاً؟ الاستجواب هو نقاش حر علني ملزم فيه المستجوب والمستجوب بأدب الحوار وضوابطه، وأي انحراف عن هذه الضوابط يعالج من خلال اللائحة الداخلية والإدارة القوية الحازمة للجلسات.
نعم نقر بأن التجربة في بداياتها تتطلب الترشيد وتتطلب الرعاية، بل ونقر بأن تلك القيود ربما كنا نحتاجها في بدايات التجربة حتى تهدأ الأمور وتستقر، ونقر بأن هناك مزايدات قد يلجأ لها النواب وهناك إمكانية لاستعراض عضلات فارغة ممكن أن يحدث، نعم نقر بأن إساءة الاستغلال واردة جداً، إنما المبالغة في منع الإساءة إلى ما بعد 15 سنة منعت الأداة تماماً وستمنعها مستقبلاً إن ظلت، إذ لا يمكن أن تشهد قاعة المجلس أي استجواب ومن المستحيلات الأربعة كالعنقاء والغول والاستجواب والمحب الوفي، أن نرى أي استجواب ونحن في الفصل التشريعي الرابع بهذه الشروط، هل يعقل أن أي من وزرائنا لا يستحق أن يصعد على المنصة من خمس عشرة سنة إلى الآن؟ ومصيبة إن كنا نظن أن أي من وزرائنا غير قادر على صعود المنصة، حينها يجب علينا أن نراجع معايير التعيين، ونضع نصب أعيننا في التشكيلة الجديدة من يملك الحجة والمنطق للصعود على المنصة والرد على النواب وإفحامهم وأي شخص لا يملك تلك المهارات والقدرة لا نريده وزيراً.
أعتقد أنه آن الأوان لأن ننزع الحصانة عن الحكومة ونترك أعضاءها يتعلمون كيف يدافعون عن سياستهم وعن أدائهم، فإن التأخر والتساهل والتهاون في رفع تلك القيود المبالغ فيها تسيء للحكومة أكثر من أي طرف آخر، إذ تجعل وزراءها من ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون دوماً إلى معاملة خاصة !!