بلا ريب، كانت الشرارة الأولى لانطلاقة «الربيع العربي» أو الثورات العربية الأخيرة هي العاصمة التونسية، فالأحداث المتتالية في أعقاب انتحار «البوعزيزي» ومن ثم هروب «زين العابدين» من تونس كانت الانطلاقة الحقيقية لكل ما جرى بعدها من أحداث داخل الوطن العربي، ولربما الأحداث الأخيرة التي تشهدها تونس تدفع الدول والشعوب العربية لدفع ضريبة «ربيعهم»، بذات الطريقة التي شهدها العالم قبل نحو خمسة أعوام، فتعود للمربع الأول من جديد إذا لم تراع بعض الظروف الموضوعية لحراكها السياسي.
لم تعد الأحداث الجارية لأية عاصمة عربية أحداثاً داخلية معزولة عن بقية العالم العربي، فتأثير تلكم الأحداث الساخنة على مجريات الأمور السياسية في بقية دولنا واردة جداً، خاصة مع تطور وسائل الإعلام التي كان لها الدور البارز في تشكيل وعي الناس ونهبه كذلك خلال «الربيع العربي»، ولهذا فإن استمرارية الاحتجاجات القوية في تونس سيكون لها صدىً في كل العواصم العربية، ومن هنا يأتي دور الخوف المشروع من إحياء الكثير من الانتكاسات العربية عبر «الربيع العربي» المشكوك في أصله وشرعيته أصلاً.
جلسة استثنائية للحوار مع الحكومة التونسية، وتخفيض فترة حظر التجوال على كامل التراب التونسي، ورئيس الحكومة التونسية يلتقي رؤساء كبار التيارات والأحزاب السياسية في تونس، ورئيس الجمهورية التونسية يلتقي ممثلين عن المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي. هذه التحركات العاجلة في تونس من أجل احتواء وقوع أزمة سياسية حقيقية قد توقع بكل المصالحات الوطنية التي جاءت بعد أحداث دموية مؤسفة إلى الخلف، بل ربما تأتي هذه التحركات من أجل الحفاظ على أهم مكتسبات التونسيين حين استطاعوا تشكيل أقوى الدساتير العربية بعد إرهاصات «الربيع العربي»، وبعد استقرار دام لفترات لا بأس بها من الزمن، ومن هنا نتمنى من إخواننا في تونس المحافظة على كل منجزاتهم السياسية التي نفتخر بها جميعاً، وأن يكون الحوار هو الحل الأمثل لمعالجة بقية القضايا العالقة، والتي من أبرزها قضية العاطلين عن العمل.
نحن نتبنى هذا الرأي من منطلق حرصنا الشديد على وحدة تونس، وخوفنا الشديد على انهيار كل المنجزات التونسية التي تحققت في الأعوام الأخيرة، والأكثر من ذلك، هو خوفنا من أن تقوم بقية الشعوب العربية باستنساخ الأحداث التونسية الحادة - لا الإنجازات - بطريقة تُهدر فيها الكثير من الدماء والثروات وضياع المزيد من الفرص الحقيقية للحلول السياسية التي قد تخرجهم من سكة الحوار إلى حيث الفوضى والعنف، وربما الإرهاب.
لقد كانت تونس شرارة «الربيع العربي»، وعليه نتمنى أن تكون خاتمة هذا الربيع من الداخل التونسي، من أجل أن تستقر تونس ومعها بقية الدول العربية من أهوال «ربيع» صنعت قواعده الرئيسة في دوائر الاستخبارات الأجنبية، وبقيته باتت مخمرة بطريقة سلبية للغاية في عقول بعض الشعوب الذين لم يتحرروا من أوهام التبعية وتقليد غيرهم بطريقة «ببغاوية» خالصة، قد يكلفهم الكثير من العناء والدماء، فاستقرار تونس هو استقرارنا كلنا.