على صعيد آخر التجار ومن بدء الندوة إلى نهايتها تحدثوا فقط عن السلبيات وخرجنا من الجلسة ولم أسمع إيجابية واحدة من هذه السياسة جاءت على لسان أي من التجار، فهل فعلاً لا توجد إيجابية؟
قد تكون النظرة السلبية بسبب عدم وضوح الرؤيا وبسبب العديد من التحفظات على أداء الحكومة؟ إنما السؤال الذي كنا نود سماعه هل هناك ما يمكن عمله؟ هل التجار فقدوا كل أداوتهم الفاعلة والمؤثرة لا على القرار الحكومي فقط بل للمبادرات الذاتية منهم؟ كيف يمكن أن يمسكوا بزمامها مرة أخرى؟ هل سينتهز رجال السوق تراجع الحكومة الآن عن دورها في تحريك السوق بسبب نقص السيولة ويأخذوا هم زمام المبادرة ليعيدوا لأنفسهم دور آبائهم الذي فقدوه؟
خبراء الاقتصاد كعبدالله الصادق وخالد عبدالله وحدهما من تحدثا عما يجب أن يكون عليه السوق إن أردناه سوقاً طبيعياً، وأنه عاجلاً أم آجلاً فإن ذلك الإجراء كان سيحدث وسياسة الدولة الريعية لن تستمر إلى الأبد، وقالا إنه لابد أن يرفع الدعم حتى يكون السوق سوقاً طبيعياً ويتخلص من تشوهاته التي سببتها سياسة الدعم.
فالسلع لا تباع بسعرها الطبيعي وبالتالي استهلاكها لا يكون بمعدله الطبيعي و«الرخص» بيئة تولد عمالة رخيصة وخدمات ذات مستوى متدنٍ وفي النهاية نجد أمامنا سوقاً مشوهاً بعمالة فائضة وسائبة وسلعاً وخدمات متدنية المستوى وإنتاجية ضعيفة وتضخم بيروقراطي ومهارات ضعيفة وكفاءات معدومة، فليست هناك تنافسية ولا هناك ما يستدعي العمل والإنتاج، المواطن «منقول» من كل احتياجاته فلم الإنتاج أصلاً؟ والسلبيات التي تنجم عن قرار الدعم هي ثمن لا بد من دفعه حتى يتم تصحيح الأوضاع، إنما اتفق الاثنان على أن آلية تنفيذ هذه السياسة الواقعية آلية غير مدروسة وعليها ملاحظات كثيرة.
هذه كانت وجهة نظر أصحاب الاختصاص الاقتصادي، أما وجهة نظر التجار فمعظمها كانت متشائمة وسلبية، البعض رأى أن الاستثمار سيهرب (وكأن الاستثمار كان طوابير على البحرين) والبعض رأى أن هناك تقلصاً في السوق سينجم عنه خسارة وظائف وبطالة، والبعض رأى أن الشفافية غير موجودة من طرف الحكومة مع البيوت التجارية بدرجة كافية حول الأسعار الحقيقية للسلع التي تقدمها الحكومة، وحول حقيقة الدعم وحول الهدر في الأموال والموارد وهوة الثقة بينهم وبين الحكومة كبيرة بحيث تساهم في إحجامهم عن ضخ الأموال في هذه السوق والاستثمار فيه، وبعضهم «تحلطم» على عدم مشاركتهم وعدم الأخذ برأيهم، وهذا واقع فعلاً إنما حجم دورك في القرار يعتمد على حجم مساهمتك في السوق وحجم استقلاليتك عن الحكومة، أما إن قبلت أن تكون تاجر وكالات فقط فاقبل ألا تستشار.
تحدث تجار الصناعات فاشتكوا من التعقيدات والبيروقراطية وهم تجار يريدون أن يقدموا القيمة المضافة للسلع التي تعد من موارد الدولة. وتحدث قطاع المقاولين وكشفوا عن استئثار المقاولين الأجانب بالمناقصات الكبيرة ولمح بعضهم إلى أن سوق العمولات يزدهر هنا!!
كم كانت تلك الحوارات ستكون مفيدة لو نقلت للناس للتوعية، للفهم، للمشاركة، ولو استمرت وتواصلت قبل تطبيق القرارات وأثناءها وبعدها، بالتأكيد ستزيل مخاوف عديدة لدى الناس والتجار والحكومة معاً، ستتقلص مسافة سوء الفهم وهوة الشك بيننا وبين الحكومة، ستمنح الحكومة فرصة للرد وتمنحهم فرصة لاكتشاف أفكار جديدة، وستمنحنا فرصة أكبر للشراكة الوطنية، لكننا ناس نخشى مواجهة مخاوفنا ونفضل أن نضحك على بعضنا ونتجمل ونكذب وندعي بأن الناس فرحانة وسعيدة وكل شيء على ما يرام وندخل رأسنا في درعنا السلحفائي ثم .. «الأمور طيبة طال عمرك»!