انفتحت أبواب الإعلام علينا وعلى شبابنا بشتى أصنافها وأشكالها، ابتداء بالصحف وبالإذاعات المسموعة والقنوات المرئية وانتهاءً بالشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، وما يحتويه شِراكُها من مواقع إلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، كلها تحمل بين جنباتها ما تحمل من غث وسمين، ومن نافع وفاسد. ولم تبق في العالم نقطة بعيدة أو مكان لا يمكن الوصول إليه - كما كان سابقاً بالوسائل التقليدية - بل تصل الأخبار المباشرة والرسائل الفورية من أي مكان في العالم وإلى أي مكان فيه.
ولا يشك المتأمل في مدى تأثير الإعلام ووسائله على الإنسان، وخصوصاً أن هذا الأثر الذي تتركه ليس أثراً إيجابياً خالصاً، ولكن يخالطه ويغلبه التأثير السلبي. وصارت تلك الوسائل الإعلامية مصدراً لتوجيه المجتمع في الأفكار والسلوكيات بل وحتى العقائد، من حيث يدري المجتمع أو من حيث لا يدري، وقد قال الشاعر: إن كنت ما تدري فتلك مصيبة.. أو كنت تدري فالمصيبة أعظم.
ومن يملك تلك الوسائل الإعلامية هو سيد قرارها وموجه بوصلة أدائها - ماذا يعرض في وسائلها؟ ولماذا؟ وكيف؟ وتشير الأرقام الحديثة بحسب مجلة «فوربس» أن أكبر عشر شركات إعلامية لعام 2015 كلها أمريكية ما عدا شركة بريطانية واحدة جاء ترتيبها العاشر، فهؤلاء من يديرون العملية الإعلامية بناءً على فكرهم ومعتقداتهم وقناعاتهم التي لا تمت إلى الإسلام وقيمه بصلة، وإذا ما ضيقنا دائرة النظر وانتقلنا إلى الشرق الأوسط فسوف نرى أن المسؤول عن الإعلام إما أن يكون مسلماً يطبق أحكام الشرع الشريف وهذا قليل جداً بل نادر، وإما مسلم متأثر بالأفكار الدخيلة ومعجب بها فالتبس عليه الأمر وانطلت عليه الخدعة فظنها مظهراً من مظاهر التطور والتحديث، وغاب عنه أنها تبطن فيها وتخفي خلاف ذلك، وإما غير مسلم فمرجعه دينه وعقيدته وحسبك ذلك مفسدة.
فأصبح الإعلام بهذه المرجعية يبث أفكاره غير الصحيحة وخاصة فيما يتعلق بالعقائد عبر تغليفها بلباس العقلانية والمادية، بحيث تكون بسيطةً في الطرح قريبةً من حياة الإنسان ودنياه، تلامس واقعه الذي يعيشه، فتتشرَّبها النفوس قبل العقول، وتسري آثارها على جوارح الإنسان دون تدبر في حقيقة تلك الأطروحات، وفي المقابل يتم إبعاد المسلم عن دينه وقيمه ومبادئه إما بتعليمه قشور الدين دون الدخول في لبّه وتذوق جماله، وإما بتشويه صورته بأنه سبيل للتشدد والتزمُّت وأنه غير صالح لزماننا، وإما بتسلُّط الجهّال وتقديمهم على أنهم علماء الدين مصداقاً لقول الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام «اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأَضَلُّوا»، فأنتج هذا الوضع جيلاً ترعرع في كنف الإسلام وبلاده لكن تسرب إلى عقله الكثير من تلك الأفكار والشبه على أنها مسلّمات وقضايا لا تقبل النقاش، فأورث هذا الداء في جسد الأمة الوهن والضعف. «للحديث بقية».