«الخليجيون والعرب بحاجة ماسة إلى تكثيف حضورهم في الملتقيات الدولية لشرح وجهة نظرهم.. غيابهم يعطي الإيرانيين الفرصة لتضليل الرأي العام الغربي»، هذه تغريدة مهمة لأستاذ العلوم السياسية رئيسة مركز الإمارات للسياسات الدكتورة ابتسام الكتبي تشرّح بها واقعاً وتضع اليد مباشرة على الجرح. يضاف عليها أن هذه الحال لا توفر فرصة تضليل الرأي العام للإيرانيين فقط، ولكن لكل من يريد السوء بدول الخليج العربي، أفراداً كانوا أم منظمات، سياسية كانت تلك المنظمات أم حقوقية. ترك الساحة لهم «يخيطون فيها ويبيطون على هواهم طويلاً»، أتاح الفرصة للمعلومات الخاطئة كي تصل إلى عقول العالم حتى ظن الكثيرون أن ما يصلهم هو الصحيح وأن ما يحاول الآخرون تصحيحه هو الخاطئ.
لولا أن هذه الساحة تركت للإيرانيين وغيرهم من مريدي السوء لدول مجلس التعاون لما تمكن أولئك من التغلغل في المنظمات الدولية، حتى صاروا المسيطرين عليها ومديريها. تفردهم بهذه الساحة أدى إلى تحكمهم فيها وفي المنظمات الدولية ذات العلاقة ولي عنق الحقيقة وفعل كل ما يريدون فعله. اليوم وبسبب هذه الحال صارت المنظمات الحقوقية على وجه الخصوص تعتبر كل ما يصلها من حكومات دول التعاون غير صحيح وفي أفضل الأحوال مشكوكاً في صحته، والأمر نفسه فيما يخص الأفراد الذين يمكنهم أن يطرحوا سؤالاً منطقياً هو أين كنتم قبل هذا؟ ولماذا لم تحاولوا توفير وجهة النظر الأخرى لنقارن ونتمكن من معرفة أيكما الصح وأيكما الخطأ؟
غياب الخليجيين والعرب عن الملتقيات الدولية أو تواجدهم فيها ولكن من دون أن ينطقوا أو يحاولوا ولو بتوزيع البيانات المكتوبة لدحض ما يسمعونه من كلام وادعاءات أتاح لمريدي السوء العبث بعقول العالم والسيطرة عليها. كان هذا ولايزال واحداً من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبوها فصعبوا المهمة على من أتى من بعدهم.
اليوم كي تقنع العالم بأن ما يصله من أولئك غير صحيح وغير واقعي ومبالغ فيه تحتاج إلى بذل مجهود غير عادي، فليس من السهل أن تغير من قناعات الآخرين الذين لم يلمسوا حضورك من قبل وعاث الآخرون بعقولهم فساداً.
في المحافل الدولية تحتاج إلى من يمتلك المعلومة ويستطيع أن يدافع عن وجهة نظرك بشراسة. في هذه المحافل لا مكان للصوت الخفيض الهادئ، ولا مكان لمن لا يستطيع أن يدحض ما يسعى الآخرون إلى فرضه بالمنطق وبالأدلة والبراهين. هي ساحات مواجهة، لا ينتصر فيها إلا القوي وصاحب الحجة الدامغة والمتسلح بما يستطيع أن يغير به القناعات ويصحح ما يصل العقول من أفكار خاطئة.
من لا يعرف شيئاً عن الذي يدور في دول التعاون ولا يجد من يوفر له المعلومة الصحيحة من الطبيعي أنه يصدق ما يصله من الآخر المتواجد في تلك الساحات باستمرار فيؤمن مثلاً أن «الاعتقالات في هذه الدول تتم على المزاج وأن الظلم فيها يمارس حسب رغبة المسؤول وهواه». هو لا يعرف ما يحدث على وجه الدقة، ولأنه لم يسمع من الطرف الآخر فلا يجد مفراً من تصديق ما يصله من معلومات خاطئة وبعيدة عن الواقع، وهو إن سأل مرة ولم يجد من يجيبه فالأكيد أنه لن يسأل مرة أخرى.
الإيرانيون والآخرون التابعون لهم والمحسوبون عليهم وغيرهم من الذين يتخذون من الحكومات في دول مجلس التعاون موقفاً سالباً متفردون بتلك الساحات، لذلك فإنهم يفرضون ما يريدون فرضه على العالم الذي لا يتوفر له ما يمكن أن يقارن به أو يختبر المعلومة.
التواجد في تلك الساحات أمر مهم، ومسؤولية إعداد الكوادر القادرة على الرد والتوضيح والتأثير والإقناع تقع على عاتق الحكومات الخليجية مجتمعة.