نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن حماية فكر الشباب، وتأثير الإعلام.
لقد أصبح الإعلام يبث أفكاره غير الصحيحة وخاصة فيما يتعلق بالعقائد عبر تغليفها بلباس العقلانية والمادية، بحيث تكون بسيطةً في الطرح قريبةً من حياة الإنسان ودنياه، تلامس واقعه الذي يعيشه، فتتشرَّبها النفوس قبل العقول، وتسري آثارها على جوارح الإنسان دون تدبر في حقيقة تلك الأطروحات، وفي المقابل يتم إبعاد المسلم عن دينه وقيمه ومبادئه إما بتعليمه قشور الدين دون الدخول في لبّه وتذوق جماله، وإما بتشويه صورته بأنه سبيل للتشدد والتزمُّت وأنه غير صالح لزماننا، وإما بتسلُّط الجهّال وتقديمهم على أنهم علماء الدين مصداقاً لقول الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام «اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأَضَلُّوا»، فأنتج هذا الوضع جيلاً ترعرع في كنف الإسلام وبلاده لكن تسرب إلى عقله الكثير من تلك الأفكار والشبه على أنها مسلّمات وقضايا لا تقبل النقاش، فأورث هذا الداء في جسد الأمة الوهن والضعف. وهذا ما يستوجب على العلماء والقادة والمربين والآباء والأمهات الوقوف حياله وإيجاد مصل مضاد له، يكون من جنس الداء ومن طبيعة ما أصيب به هذا الجسد، وهذا النوع من الدواء قد أوجده علماؤنا سابقاً عندما كان لأهل الضلال من العقائد الفاسدة صولة وجولة باستخدامهم أداة العقل في إثبات أفكارهم ومسائلهم. فإذن علينا الرجوع إلى ما أنتجه فكر علمائنا السابقين ثم وضعه في أسلوب يلائم روح العصر ولغته، ويمتاز هذا الفكر بأنه يجمع بين المنقول من الشرع الشريف من الكتاب والسنة وبين المعقول الذي يمثل الأدلة العقلية التي تساند وتبرهن على العقائد الإسلامية.
وتظهر ثمرة هذا البناء الفكري عند مناقشة غير المسلم وكذلك بعض المسلمين المتشككين، فلا سبيل إلى محاورتهم إلا بالاستناد إلى المسلّمات العقلية المتفق عليها بين العقلاء من البشر، والاعتماد عليها كأساس لبدء الحوار، فعلى تلك المسلّمات تبنى الأدلة العقلية التي تثبت بها العقائد، ويبرهن من خلالها على صدق ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا ترسخ تلك العقائد في النفوس ولا يتطرق إليها الشك، بل نكون بذلك قد وضعنا حصناً منيعاً عن اقتحام الأفكار المشككة حول الكتاب والسنة.
ومن الكتب المفيدة التي تجسد هذا المنهج الرصين هو كتاب «الخريدة البهية»، وهو كتاب صغير في الحجم، لكنه كبير في الفائدة والنفع، قد حوى هذا المتن المسائل المهمة التي يحتاج إليها المسلم في علم العقيدة، وقد حرص المسلمون منذ تأليف الكتاب على حفظه وتعلّمه وتعليمه للأبناء والبنات، أما مؤلف هذا الكتاب فهو العلامة الفقيه الشيخ أحمد بن محمد الدردير المالكي، المتوفى سنة 1201 هـ، من أكابر علماء الأزهر الشريف، وعالم نحرير، وأستاذ كبير في كثير من العلوم الشرعية والعربية والعقلية، وقد عكف الفقهاء على كتابه الآخر «الشرح الصغير» في المذهب المالكي، فصار المعتمد في الفتوى، وله عدة مؤلفات أخرى.
ومن حسن الطالع أنّ هذا الكتاب القيم قد كان مقررا ضمن أول مجموعة من الكتب الدينية في مدرسة الهداية الخليفية - أول مدرسة نظامية في البحرين - وذلك ضمن كتاب «مجموعة الهداية»، والذي تضمن عدة متون علمية في العقيدة والتجويد والفقه الشافعي ومصطلح الحديث والميراث وقد قام بجمعها وتصحيحها المرحوم فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله بن صولان العسيري اليمني الأزهري أحد المدرسين في مدرسة الهداية والذي أصبح مديراً لها في فترة لاحقة، وقد تحولت المدرسة في عهده إلى أزهر مصغر كما يقول الدكتور عبدالحميد محادين، كما إن المغفور له الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة رئيس مدرسة الهداية آنذاك طبعها على نفقته الخاصة سنة 1342هـ/ 1924م، لما احتوت هذه المجموعة من كتب تؤسس الطلبة على معارف دينية صحيحة وسليمة.
فهذا الكتاب - الخريدة البهية - وغيره من الكتب المؤلفة على هذا المنهج الجامع بين المنقول والمعقول يحتاج الناس وخاصة الشباب والشابات إلى تعلمها ومدارستها ولكن بلغة عصرية تمزج بين قوة الدليل ورصانته وبين الأسلوب السهل الميسر.
{{ article.visit_count }}
لقد أصبح الإعلام يبث أفكاره غير الصحيحة وخاصة فيما يتعلق بالعقائد عبر تغليفها بلباس العقلانية والمادية، بحيث تكون بسيطةً في الطرح قريبةً من حياة الإنسان ودنياه، تلامس واقعه الذي يعيشه، فتتشرَّبها النفوس قبل العقول، وتسري آثارها على جوارح الإنسان دون تدبر في حقيقة تلك الأطروحات، وفي المقابل يتم إبعاد المسلم عن دينه وقيمه ومبادئه إما بتعليمه قشور الدين دون الدخول في لبّه وتذوق جماله، وإما بتشويه صورته بأنه سبيل للتشدد والتزمُّت وأنه غير صالح لزماننا، وإما بتسلُّط الجهّال وتقديمهم على أنهم علماء الدين مصداقاً لقول الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام «اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأَضَلُّوا»، فأنتج هذا الوضع جيلاً ترعرع في كنف الإسلام وبلاده لكن تسرب إلى عقله الكثير من تلك الأفكار والشبه على أنها مسلّمات وقضايا لا تقبل النقاش، فأورث هذا الداء في جسد الأمة الوهن والضعف. وهذا ما يستوجب على العلماء والقادة والمربين والآباء والأمهات الوقوف حياله وإيجاد مصل مضاد له، يكون من جنس الداء ومن طبيعة ما أصيب به هذا الجسد، وهذا النوع من الدواء قد أوجده علماؤنا سابقاً عندما كان لأهل الضلال من العقائد الفاسدة صولة وجولة باستخدامهم أداة العقل في إثبات أفكارهم ومسائلهم. فإذن علينا الرجوع إلى ما أنتجه فكر علمائنا السابقين ثم وضعه في أسلوب يلائم روح العصر ولغته، ويمتاز هذا الفكر بأنه يجمع بين المنقول من الشرع الشريف من الكتاب والسنة وبين المعقول الذي يمثل الأدلة العقلية التي تساند وتبرهن على العقائد الإسلامية.
وتظهر ثمرة هذا البناء الفكري عند مناقشة غير المسلم وكذلك بعض المسلمين المتشككين، فلا سبيل إلى محاورتهم إلا بالاستناد إلى المسلّمات العقلية المتفق عليها بين العقلاء من البشر، والاعتماد عليها كأساس لبدء الحوار، فعلى تلك المسلّمات تبنى الأدلة العقلية التي تثبت بها العقائد، ويبرهن من خلالها على صدق ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا ترسخ تلك العقائد في النفوس ولا يتطرق إليها الشك، بل نكون بذلك قد وضعنا حصناً منيعاً عن اقتحام الأفكار المشككة حول الكتاب والسنة.
ومن الكتب المفيدة التي تجسد هذا المنهج الرصين هو كتاب «الخريدة البهية»، وهو كتاب صغير في الحجم، لكنه كبير في الفائدة والنفع، قد حوى هذا المتن المسائل المهمة التي يحتاج إليها المسلم في علم العقيدة، وقد حرص المسلمون منذ تأليف الكتاب على حفظه وتعلّمه وتعليمه للأبناء والبنات، أما مؤلف هذا الكتاب فهو العلامة الفقيه الشيخ أحمد بن محمد الدردير المالكي، المتوفى سنة 1201 هـ، من أكابر علماء الأزهر الشريف، وعالم نحرير، وأستاذ كبير في كثير من العلوم الشرعية والعربية والعقلية، وقد عكف الفقهاء على كتابه الآخر «الشرح الصغير» في المذهب المالكي، فصار المعتمد في الفتوى، وله عدة مؤلفات أخرى.
ومن حسن الطالع أنّ هذا الكتاب القيم قد كان مقررا ضمن أول مجموعة من الكتب الدينية في مدرسة الهداية الخليفية - أول مدرسة نظامية في البحرين - وذلك ضمن كتاب «مجموعة الهداية»، والذي تضمن عدة متون علمية في العقيدة والتجويد والفقه الشافعي ومصطلح الحديث والميراث وقد قام بجمعها وتصحيحها المرحوم فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله بن صولان العسيري اليمني الأزهري أحد المدرسين في مدرسة الهداية والذي أصبح مديراً لها في فترة لاحقة، وقد تحولت المدرسة في عهده إلى أزهر مصغر كما يقول الدكتور عبدالحميد محادين، كما إن المغفور له الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة رئيس مدرسة الهداية آنذاك طبعها على نفقته الخاصة سنة 1342هـ/ 1924م، لما احتوت هذه المجموعة من كتب تؤسس الطلبة على معارف دينية صحيحة وسليمة.
فهذا الكتاب - الخريدة البهية - وغيره من الكتب المؤلفة على هذا المنهج الجامع بين المنقول والمعقول يحتاج الناس وخاصة الشباب والشابات إلى تعلمها ومدارستها ولكن بلغة عصرية تمزج بين قوة الدليل ورصانته وبين الأسلوب السهل الميسر.