أعضاء مجلس النواب عليهم أن يدركوا أن أي حراك لا يستفيد منه المواطنون، ولا يتم من خلاله الدفاع عن حقوقهم، هو حراك لن يحسبه الناخبون لهم، بل هو في اتجاه معاكس من ناحية القبول والرضا.
وعليه، وبعد ما مرت علينا الأسابيع الماضية بشكل عصيب في ظل الأزمة المالية النفطية، وبين تقديم استجواب وإسقاطه من قبل أصحابه، وبين توجه إلى السلطة القضائية للحد من بعض الانتقادات التي وصلت لمستوى الشتائم المرفوضة، فإن على مجلس النواب أن يعدل بوصلته ويحولها بشكل «حقيقي» تجاه المواطن.
لذا فإن أية مقترحات «أكسسوارية» لا يجب أن يكون لها حضور في القادم من الأيام، وأية اقتراحات برغبة يدرك النواب صعوبة تحققها وسهولة الرد عليها من قبل الحكومة بدعوى عدم وجود ميزانية، لا ينبغي تضييع وقت المجلس «الذي هو وقت الناس بالأصح» بشأنها.
عليكم مهمة كبيرة اليوم تتمثل بأن تقدموا للناس شيئاً يحسون بأن أصواتهم وذهابهم لصناديق الاقتراع لم تذهب خسارة، وأقلها كان فيها مردود في إطار حمايتهم والحديث باسمهم.
ومن هذا المنطلق نتمنى اتساع رحابة صدر النواب أكثر، وتقدير أن المواطن إن وصل لمرحلة الغضب منهم فإن هذا معناه تقطع السبل به، وأنكم كنتم آخر قشة أمل يتشبث بها، بالتالي إن كان من حراك صارم وفاعل، فوجهوه للمقصرين في أداء واجباتهم تجاه الوطن والمواطن من مسؤولين وقطاعات.
لن ينصلح حال قطاعات البلد ولن تنصلح أساليب عمل بعض المسؤولين إلا حينما يقوم مجلس النواب بدوره بجدية وفاعلية، والأهم بمسؤولية.
وعليه فإن التركيز في القادم مهم، أقلها لتحقيق شيء يفيد الناس ويخدم البلد، وحتى يتجنب مجلس النواب الخروج بنفس المظهر والصورة التي خرج فيها في الفترات الماضية.
السادة أعضاء مجلس النواب، أكرر القول هنا أننا لسنا نظلمكم، ولا حتى الناس يظلمونكم، لكن أنتم من تظلمون أنفسكم حينما يكون أداؤكم بعيداً جداً عن شعاراتكم الانتخابية التي رفعتموها. والدليل أن بدايات المجلس الحالي شهدت تحركات إيجابية في بعض الملفات، وقدم المجلس بتشكيلته الجديدة أداءً مقنعاً في بعض الأمور ما استدعى الإشادة به، لكن ماذا حصل بعد ذلك؟!
تحقيق النجاح قد يحصل، وقد ييسر الله سبحانه وتعالى الأمور بحيث تتوافر المقومات وتتهيأ الظروف لينجح أياً منا في عمله ومسعاه، لكن النجاح يتطلب الاستمرارية والبناء عليه، لا التسليم بأننا قدمنا شيئاً طيباً، وكفى الله المؤمنين شر القتال، وبعدها نستكين ونهدأ لدرجة أننا اليوم لا نثبت على الكلام الذي نقوله.
تريدون أن يعود الناس للإشادة بكم وبجهودكم؟! أنتم اجعلوهم يفعلون ذلك، لا من خلال المطالبة بالكلام، ولا حتى بالتصدي الصارم لأي نقد، بل من خلال أفعالكم وتطبيق شعاراتكم التي هي أصلاً عهود عليكم، يجب على الناس متابعتكم فيها ومحاسبتكم على التقصير بشأنها، وهو حقهم، فأصواتهم ليست رخيصة حتى تؤخذ وبعدها ينسى أصحابها ومطالبهم.
نعلم بأنها «لو خليت لخربت»، ما يعني أن هناك بعض النواب الذين مازالوا على عهدهم باقين تجاه ناخبيهم ومن صوت لهم ومن صدقوا شعاراتهم الانتخابية، لكن المشكلة فيمن انقلب على شعاراته، وفيمن تغيرت نظرته للناس من ناخبين - لهم قيمة تتمثل بأصواتهم التي توصل لمقعد البرلمان - إلى مصدر إزعاج وإقلاق لراحة النائب.
لابد من الإدراك بأن بعض الوظائف وبعض المسؤوليات تجعل من صاحبها شخصية عامة، الناس لهم حق فيه، لهم حق في وقته، قد يدخلون حتى على حياته، قد يسلبون منه خصوصيته، قد يحاولون التواصل معه حتى في أوقات غير ملائمة، لكنها ضريبة هذا الموقع والمنصب، فما بالكم بموقع النائب الذي يفترض بأنه سخر نفسه لخدمة الناس أولاً وأخيراً، وأعلن نفسه بأنه صوت لهم، ضمير يحمل تطلعاتهم، خادم لهم، مقاتل من أجل حقوقهم؟!
نريد برلماناً قوياً، تعبنا ونحن نقول ذلك، ولسنا نقصد بالقوة أن تعلن حرب ضروس على السلطة التنفيذية، فهي ليست خصماً بل جهة لابد من التكامل في العمل معها، لديكم أدوات للرقابة والمساءلة عليها، ولديكم الصلاحية في تقويمها وتصحيح المسارات فيها، بالتالي التعاون ليس بالكلام والظهور الإعلامي وبعدها تسير الأمور كما يراد لها دون حتى مناقشة أو مساءلة بشأن الضمانات أو التعويضات للناس.
البرلمان كمؤسسة أداة، حالها كحال أي أداة أخرى، هي تقوى وتكون مؤثرة من خلال نوعية الممارسة فيها، وتضعف كذلك لو ضعف الأداء. البرلمان كما بارجة الصواريخ الحربية، تكون خطرة مهيبة قوية حينما تدخل المعركة مستخدمة عتادها وقوتها، لكنها تكون قطعة حديد مكانها المتحف لو أصاب أسلحتها الصدأ وانتهت صلاحية ذخيرتها.
اعملوا لأجل الناس، والله ليست رسالة صعبة الاستيعاب، بل هي أساس عمل البرلمان، والذي مفترض أن نسميه «برلمان الشعب»، أليس كذلك؟!