هناك ما يسمى «بالمواءمة» و هي سلطة خاصة تقديرية لكل شخص تمنحه الحق ليؤخر طواعية وبشكل اختياري وربما يكون من باب الإيثار «حق» جائز له قانوناً أو حتى شرعاً، ليوائم بهذا القرار الطوعي «مصلحة» أهم من نيل حقه المشروع.
هذا ما كان يجب على بعض أعضاء مجلس النواب أن يفعلوه قبل أن يرفعوا دعاوى على المواطنين «أن يوائموا بين حقهم المشروع للجوء للقضاء ليقتصوا لأنفسهم ممن يحسبونه أساء لهم بتجاوزات تخطت حدود الأدب، وبين مصلحة عامة تقتضي في هذا الوقت تحديداً مد جسور هدمها الأداء العام لمجلس النواب بينهم وبين الناس، وهي مصلحة تأتي على درجة من الأهمية تفوق أهمية أي حق خاص، أهمية يحافظ بها على ما تبقى لدى الناس من ثقة بهذا المجلس تحديداً بشكل خاص، وبالمشروع الإصلاحي برمته بشكل عام.
مجلس النواب - كأداء- خيب الظن في ضعفه وعجزه عن تفعيل الأدوات الرقابية وآخرها إسقاطه للاستجواب الذي وافق عليه وأصر عليه 13 عضواً ولم يكن ذلك كافياً لإتمامه!!
وسبق هذا السقوط عدم اكتمال أي من لجان التحقيق التي فتح ملفاتها المجلس وتركها عالقة، وهي لجان كانت تحقق في مواضيع هامة تمس معيشة المواطن ورزقه وأمن الوطن وسلامته حتى بما فيها أمنه الغذائي فلم يصل للمواطن أي من نتائجها، لذا فإن تعطيل هاتين الأداتين الرقابيتين أياً كانت أسباب التعطيل سواء كانت بسبب أداء النواب المشتت والمبعثر والمهلهل وانقسامهم وانشغالهم بمحاربة بعضهم البعض، أو كانت بسبب القيود التي وضعت في اللائحة الداخلية على اختصاصاتهم وصلاحياتهم، إلا أن أدائهم نجح فقط في هدم ما تبقى من جسور للثقة بين المجلس النيابي وبين الناس بعدم إنجاز أي من الامتحانات التي مر بها، والأخطر أنه هدم جسور الثقة لا فيهم كأشخاص فحسب خيبوا ظن الناس الذين اختاروهم لتمثيلهم، بل هدم جسوراً للثقة مست كل السلة الإصلاحية التي آمن بها ودافع عنها المواطن محلياً ودولياً، وهي خسارة جسيمة ستتضح آثارها على المدى البعيد.
هذا الأداء الضعيف كان أولى بأن «يستر» ويتوارى خجلاً ويترك حقاً أجازه لهم القانون باللجوء للقضاء للاقتصاص ممن أساء لهم وتجاوز وتخطى حدود الأدب واللياقة معهم، مقابل مصلحة عامة هي الاحتفاظ بشعرة معاوية التي تبقت بينهم وبين الناس، كان الأولى بمن اشتكى أن يوائم سياسياً بين مصلحة عامة تهم الوطن ككل وبين مصلحة خاصة تهمه وحده، كان الأولى أن يغض الأعضاء الطرف عن الإساءة لهم، خاصة أن الناس لم يروا في هذا المجلس ما يشفع له بوقوفه مع حق المواطن من الشكوى ضد أداء السلطة التنفيذية، حتى تقف معه في حقه في شكواه ضد من أساء له.
الأمر الآخر أنه لو كان للمجلس حلفاء حقيقيون، حلفاء يتحدثون عنه بحميمية صادقة (مجانية)، حلفاء غير مصطنعين بشكل واضح وجلي ومكشوف ومفضوح، لكان هؤلاء الناس البسطاء هم خط الدفاع الأول عن المجلس وأعضائه، بل لوجدتم الدفاع عن المجلس وأعضائه حتى من النخب والكتاب دونما حاجة لاستنطاقهم والاستنجاد بتصريحات تسند موقف الأعضاء القانوني، لكن ذلك لم يحدث لأن المجلس أضاع هيبته وأضاع مصداقيته وأضاع حق الناس الرقابي الذي حملوا أمانته.
المجلس كان أولى له أن يوائم بين ترميم أحد الجسور التي هدمت، وهدم آخر الجسور التي بقيت، فاختار الهدم.