ليس من عاقل إلا ويتفق مع هذه العبارة المنسوبة للشيخ يوسف القرضاوي «أن يستيقظ الناس كل يوم على عمل إرهابي جديد مع مزيد من القتلى والجرحى، هذا ما لا يقره دين ولا يقبله عقل والإسلام بريء منه». المؤسف أن الناس صاروا يصبحون ويمسون أيضاً على أعمال إرهابية يسقط كل منها عدد من القتلى والجرحى ويخلف الكثير من المآسي. وها هو الإرهاب يضرب المملكة العربية السعودية من جديد فيروح ضحيته مصلون وفدوا إلى مسجد بالإحساء ليقيموا الصلاة في يوم الجمعة، لينضموا إلى شهداء سبقوهم وجرحى عانوا من اعتداءات سابقة على مصلين في مساجد في القطيف والدمام وأبها. وفي هذا الصدد تسارع الدول والمؤسسات الدينية على إدانة هذه الأعمال وشجبها واستنكارها، ولكن ما الذي تستطيع أن تفعله الدول وتلك المؤسسات سوى الإدانة والشجب والاستنكار والتعبير عن التعاطف مع ذوي الشهداء والجرحى؟ ذلك أن علاج هذه الأخطاء لا يمكن أن يتم بقرار أو بإصدار قانون، فعندما يتلوث العقل لا يمكن لقرار أو قانون أن يوقفه، تماماً مثلما أنه لا يمكن أن توقفه الإدانة والشجب والاستنكار أياً كانت لغتها ومهما بلغت شدة عباراتها.
علاج هذه المشكلة يحتاج إلى وقت طويل وإلى إعادة بناء الإنسان والعقل، فعندما يضيق الإنسان والعقل بالآخر فهذا يعني أنه يصير على استعداد لإبادة كل المختلف معه فهو لا يرى في المشهد إلا نفسه ولا يؤمن بأن للآخر حقاً في أن يكون مختلفاً معه. هذا هو أساس المشكلة، لذلك فإن حلها ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض، ولا يمكن أن يتم بقرارات تصدر عن هذه الجهة أو تلك.
المؤلم في الموضوع هو أن من يقوم بقتل المصلين والاعتداء على حرمة مساجد الله مسلمون يزعمون أنهم «يؤمنون بالله ويطيعونه» ويرفعون راية الدفاع عن الحق ويعتقدون أنهم بفعلهم هذا سيحصلون على بطاقة تؤهلهم لدخول الجنة من دون حساب! هل يوجد أدعى من هذا للسخرية؟ مثل هذا الأمر لا يمكن أن يعالج بقرار ولا بحزمة قرارات وإنما بإعادة بناء الإنسان وتأهيله ليكون صالحاً للحياة وللتعامل مع الآخر المختلف معه في الفكر والمعتقد.
تفاصيل الاعتداء على المصلين في الأحساء تؤكد أن الهدف كان إحداث أكبر قدر ممكن من الأضرار وسقوط عدد أكبر من الشهداء والجرحى، بدليل أن من قام بالعملية هذه المرة مجموعة بينهم اثنان يرتديان أحزمة ناسفة تم القبض على واحد منهما قبل أن يتمكن من تنفيذ المطلوب منه، وآخر أو آخران أو آخرون يطلقون الرصاص على المصلين.
تنظيم الدولة «داعش» تبنى هذه العملية والعمليات السابقة لها في السعودية وفي الكويت، ما يعني أن كل دول مجلس التعاون باتت مستهدفة، فقد سبق أن اعترف «داعشيون» حوكموا في البحرين أنهم كانوا يخططون لعمليات يتم تنفيذها في بعض مساجد المملكة، وسبق أن تم الإعلان عن إحباط عدد من العمليات كان مخططاً لها وعلى وشك التنفيذ في أكثر من دولة خليجية، وهو ما يعني أن هناك خلايا لـ «داعش» في كل دول المجلس من دون استثناء، ويعني أن عمليات أخرى يمكن أن تحدث في كل يوم، في المساجد وخارجها.
غني عن القول بأن الغاية من كل هذه العمليات هي زعزعة الاستقرار في دول مجلس التعاون وإثارة الفتنة الطائفية، الأمر الذي ينبغي أن يواجه بالتأكيد على أهمية التنادي بالمحافظة على وحدة الصف و«بتكثيف بيان الكلمة عن هذا الفكر الإرهابي الخطير على الأمة في دينها ووحدتها ومقوماتها»، كما جاء في بيان هيئة كبار العلماء بالسعودية.