يكثر الحديث في وسائل الإعلام الأجنبية عن كسر اللوبي الإيراني شوكة اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، ذلك لأن الإيرانيين استطاعوا عقد معاهدة نووية مع القوى الكبرى وبينها أمريكا بالرغم من عداء إيران الصريح لإسرائيل الذي بلغ حد دعوة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بزوال الكيان الصهيوني. وقد نقلت وسائل إعلام غربية أخباراً تتعلق بهذا الجانب، مثل «هافينغتون بوست» التي قالت إن «اللوبي الإسرائيلي يعترف بالخسارة»، كما وضعت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عنواناً قالت فيه «اللوبي الإسرائيلي يفقد قوته بعد فشله في إيقاف الصفقة مع إيران»، وعنونت صحيفة «نيويورك مجازين» الأمريكية بقولها «الصفقة مع إيران ونهاية اللوبي الإسرائيلي»، لكن المتابع للأمور عن كثب يمكن أن يرى أن تلك العناوين ليست سوى ادعاءات فارغة.
أولاً، يجب فهم طبيعة اللوبي الإيراني، وما أنجزه في واشنطن؟ وليس هناك من لوبي رسمي لتوثيق العلاقة مع الدولة الإيرانية مثلما يحدث مع إسرائيل، لأن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين البلدين منذ عام 1980، والجالية الإيرانية في أمريكا معارضة للنظام، كما لا يمكن الترويج لدولة تبنت عمليات إرهابية ضد منشآت ومواطنين أمريكيين، ولكن من وراء الكواليس، عمل الإيرانيون على خلق المناخ المناسب لكسر الجليد بين البلدين، وقد عملوا بنفس طويل على نشر أفكار تظهر إيران بصورة إيجابية نوعاً ما في أمريكا.
بالرغم من نجاح الإيرانيين في التقرب من أمريكا، إلا أنه يجب عدم المبالغة في حجم نفوذهم، فالمقالات التي تتحدث عن هزيمة اللوبي الإيراني اللوبي الإسرائيلي ما هي إلا نوع من أنواع الدعاية الإسرائيلية التي تختلق معارضة لها حتى تسقط عنها تهمة سيطرتها على صنع القرار فيما يخص قضايا الشرق الأوسط. وبالرغم من أن إسرائيل عارضت الصفقة النووية فإن الصفقة ليست على رأس أولوياتها مقارنة بالقضية الفلسطينية، لأنها تعرف أن إيران لا تشكل «خطراً وجودياً» عليها وأن كل المعاداة لإسرائيل هو نوع من وسائل الترويج لتدعيم أيديولوجية النظام الإيراني.
وحسب تريتا بارسي الذي يرأس منظمة المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، فإن أكثر وقت حصل فيه «إيباك» أو اللوبي الإسرائيلي في أمريكا على تبرعات كان حين دعا محمود أحمدي نجاد لإسرائيل بالزوال، وحين بدأ حملة إنكار المحرقة النازية. إسرائيل تعرف أنه ليست من مصلحة إيران أن تهاجمها، ولكنها استعملت المعارضة كتكتيك لتسحب اعتراضاتها مقابل منافع أخرى من أمريكا، وقد حصلت مقابل تنازلها عن اعتراضها على الاتفاق النووي على ضمانات عسكرية من الولايات المتحدة.
إن اللوبي الإيراني لا يقارن باللوبي الإسرائيلي لا من ناحية التنظيم أو التمويل أو التحالفات أو النفوذ داخل الأجهزة الحكومية أو الإعلام. ولكن إسرائيل دائماً تسعى «دوماً» لخلق عدو لتخويف اليهود في الداخل وفي المهجر ولإبقاء الدعم لها. ويهمها أن يبقى في الأذهان أنها تواجه «خطراً وجودياً» وبذلك تسكت المعارضين لسياساتها العنصرية والمتناقضة مع الديمقراطية التي تدعيها، إن كانوا داخل إسرائيل أو في أمريكا. لذلك على من يحتفل بكسر شوكة الإسرائيليين في أمريكا، أن يرجع إلى الواقع فقوة اللوبي الصهيوني مازالت كما هي في أمريكا!