جميل أن يعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والسعودية من الأولويات، لكن ليس جميلاً قوله إن «على السعودية القيام بالخطوة الأولى لإعادة العلاقات بين البلدين». فالسؤال الذي يثار هنا، هو لماذا الرياض وليست طهران من ينبغي عليها أن تبادر وتقوم بالخطوة الأولى؟ الجواب الفوري والمنطقي هو أن هذا هو ديدن العقلية الفارسية، فطالما أن الاعتداء وقع على السفارة السعودية وقنصليتها في إيران لذلك فإن على السعودية أن تقوم بالخطوة الأولى لإعادة العلاقات بين البلدين والتي تعطلت بسبب هذا الاعتداء! أما تبرير روحاني فهو أن قيام السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران لم يتناسب مع الحوادث التي وقعت! هكذا قال في مقابلة أجرتها معه أخيراً قناة «فرانس 24»، واعتبر أن طهران قامت بدورها بأن أدانت الاعتداء وأوقفت من اتهمتهم بتنفيذه. هكذا هو المنطق الإيراني الأعوج، لم يبق إلا أن تقول طهران إن على السعودية أن تعتذر لإيران بسبب الاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد!
دعوة روحاني إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية بالمنطق الذي طرحه يؤكد أن إيران لا تفكر في هذا الموضوع أساساً، بدليل قوله في نفس المقابلة «لا نريد التوتر مع الأمريكيين.. الطريق سيكون طويلاً.. ولكن المشاكل لن تكون دائمة بين بلدينا»، أي أن إيران تعتقد أن مصلحتها اليوم وغداً مع الولايات المتحدة التي كانت «الشيطان الأكبر»، ومع الغرب الذي وقّع روحاني للتو مجموعة من الاتفاقات التجارية مع بعض دوله، وبالتالي فإن على السعودية أن تبادر بطلب الصلح مع إيران لو أرادت ذلك، فحكومة الملالي تعتقد أن الدنيا ابتسمت لها أخيراً وأنها ستعود سريعاً إلى الساحة الدولية طالما أنه تم رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وبالتالي فإن من مصلحة الدول الأخرى ومنها السعودية أن تبادر بتصحيح علاقاتها معها.
هذا التفكير القاصر هو الذي أوقع رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني في الخطأ خلال مؤتمر البرلمانات الإسلامية الذي عقد في بغداد أخيراً ولم تحضره السعودية، ما اضطر رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم إلى الرد عليه فوراً وإيقافه عند حده والاعتراض على ما ورد في كلمته والقول بقوة «أسجل اعتراضي على ما جاء في كلمة الدكتور علي لاريجاني بشأن المملكة العربية السعودية وأعتبره تدخلاً في الشؤون الداخلية للمملكة.. وإذا كان الوفد السعودي غائباً فأنا شخصياً والوفد الكويتي نمثل السعودية هنا». وهو موقف لم يتوقعه لاريجاني بالتأكيد واحتوى على رسالة مهمة ملخصها أن دول مجلس التعاون الخليجي كتلة واحدة وأن أي تدخل في شؤون أي منها يعتبر تدخلاً في شؤون دول المجلس كافة وأن غياب أحدها لا يعطي الحق لأحد للإساءة إليها. لحمة وأخوة تاريخية بين الكويت والسعودية وبين مختلف دول مجلس التعاون ربما كان صعباً على إيران استيعابها، بل هو صعب بالفعل.
هذا يعني أن إيران تعاني من مشكلة خطيرة ملخصها أنها لا تعرف شيئاً عن جيرانها العرب ومكانتهم وطبيعتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وبالتالي فإنه يصعب عليها فهم ما يجري حولها وإلا لما قال روحاني ببساطة إن على السعودية أن تبادر بإعادة العلاقات الدبلوماسية واتخاذ الخطوة الأولى نحو المصالحة.
إيران إذن أمام مشكلتين ينبغي أن يتطوع أحد لشرحهما لها، الأولى هي أنها تعتقد أن رفع العقوبات الاقتصادية عنها وتحسن علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب يعني أن هذه القوى نحّت دول التعاون جانباً وصارت إيران هي الرقم واحد بالنسبة لها، والمشكلة الثانية هي أنها لاتزال دون القدرة على فهم طبيعة جيرانها العرب ومكانتهم وأهميتهم.