المجلس النيابي والبلدي المنتخبان والمؤسسات المدنية والاحزاب السياسية والمنظمات المدنية ذات الارتباطات الدولية وأخيراً وسائل الإعلام، تلفزيوننا وإذاعتنا، هي القوى الناعمة التي أشارت لها كونداليزا رايس، بإضعافها أو باختراقها ممكن إحداث الفوضى الخلاقة.
الموجة الأولى للربيع العربي كانت باختراق تلك المنظومة وبالاتفاق مع قوى سياسية وبالتحالف معها جرت الفوضى الخلاقة وتحرك الشارع، أما الموجة الثانية فيبدو أنها ستعتمد على إضعاف هذه المنظومة وتفريغها من محتواها.
هذه المنظومة هي الحصن الذي تلجأ لها المجتمعات لتنظم حراكها وتحقق لها طموحاتها، كبديل عن الفوضى فلا تلجأ للشارع طالما أدت هذه المنظومة دورها بجدارة، كلما قويت، زال خطر الفوضى الخلاقة، والعكس صحيح، كلما ضعفت كفر الناس بها واضطروا للجوء للشارع وهنا الخطر!! فهذه هي الفوضى الخلاقة التي يراد لمجتمعاتنا أن لا تجد غيرها بديلاً.
لهذا أعجب وبشدة لحالة الاطمئنان والاسترخاء التي حلت علينا في البحرين والتهاون في تقوية الجبهة الداخلية وجبهة إعداد القوى الناعمة التي من المفروض أن نواجه بها دورنا التالي في المرحلة القادمة حين تحين الساعة مرة أخرى للموجة التالية.
أمامنا معادلة صعبة جداً وهي تقوية هذه المؤسسات بحيث تكون ممثلة فعلية لتطلعات المجتمع، وأجهزة رقابية على الأداء الحكومي فعلياً لا صورياً، يطمئن لها الناس كبديل عن الفوضى والشارع، وفي ذات الوقت مراقبتها كي تكون أجندتها وطنية، بين هذا وذاك لا نرى للدولة أي تصور واضح أو مبادرات واضحة لتقوية هذه المنظومة، بل العكس تماماً.
المجلس النيابي في أضعف حالته كممثل لتطلعات المجتمع ومثله البلدي، أما الإعلام فحدث ولا حرج لا علاقة له بالناس، والمجتمع المدني حراكه بعيد جداً نخبوي يحدث نفسه، باختصار المجتمع لا يجد في هذه المنظومة نفسه، لا متحدثاً ولا مخاطباً ولا تلبي هذه المنظمة احتياجاته الرئيسة.
قد يكون الوضع مثالياً لأي نظام سياسي أو حكومة تريد أن تعمل «بدون إزعاج» لكن الشارع البحريني كما فوجئنا به في 2011 سهل التنظيم وسهل جمعه وسهل توجيهه، فإذا أضفنا لهذا وجود حالة من السخط العام فإننا أمام مسرح مهيأ لأحداث جديدة لا نعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي، ولا نركن أبداً إلى أن الأمن وحده قادر على أن يكبح جماح الفوضى في كل مرة.
لو كان أحد يخطط لشر بالبحرين لدفعها دفعاً لإضعاف هذه المنظومة المدنية الراقية التي كانت من مكتسبات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك كما يحدث الآن، لو كان أحد يريد أن يهيئ البحرين لموجة ربيع ثاني لأضعف المجلس النيابي وجعله تابعاً بهذا الشكل، ولغيب الإعلام عن النقد، ولأخلى الساحة الشعبية من أي مؤسسة تنظم حراك الشارع وتجعله مؤطراً وخاضعاً للقانون كما هو الفراغ الحاصل الآن، وترك الناس كما هي الآن كافرة بكل مؤسساتها التي كان من المفترض أن تكون ممثلة لهم وفشلت. فهل هناك وضع مثالي أفضل من هذا لأي فوضى؟
فقط للعلم أن مشروع إسقاط دول الشرق الأوسط كأنظمة وجيوش ومؤسسات ومنها البحرين مشروع مازال قائماً، والربيع العربي 2011 كان موجة أولى منه فقط والموجات التي تليها نلمس بعضاً من بوادرها الآن في مفاوضات جنيف 3 الخاصة بسوريا، حيث دخلتها روسيا كإحدى الدول التي لا تريد أن تكون خارج القسمة أثناء توزيع الغنائم، على اعتبار أن التقسيم آت آت.
التغافل المتعمد عن إيران مع الهجمة التي نشهدها ضد المملكة العربية السعودية الآن في الإعلام الأمريكي وتساندها منظمات حقوق الإنسان التي تديرها الاستخبارات الأمريكية والبريطانية هي الأخرى جزء من الموجة الثانية للربيع العربي، وستليها بل وتصاحبها موجات من الهجمات المنظمة ضد دول الخليج الواحدة تلو الأخرى، جميعها ممنهج وليس اعتباطياً أو عشوائياً، كلها تؤخذ ضمن سلة واحدة لا تخرج من ذات السياق، كل هذا يجري أمام أعيننا وتحت سمعنا وأبصارنا ولم يجف حبر الموجة الأولى بعد، فإن وقعت الفأس في الرأس هذه المرة أرجوكم لا أحد يقول ... أخذنا على حين غرة!!