في خضم الأزمة المالية العالمية التي تمر بها غالبية دول العالم، خاصة الدول التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس لمداخيلها الوطنية، يكون لزاماً على هذه الدول - خاصة دول الخليج العربي - أن تنتهج منهجاً جديداً في الكشف عن الأخطاء والثغرات التي شكلت الكثير من الضغط على اقتصادها، كما يجب أن نعي جيداً أن زمن التطبيل المعجون بالرفاهية لن ينفع في هذه المرحلة، بل وفي كل مراحل بناء الدولة الحديثة، ومن هنا تأتي المصارحة والنقد البناء ومحاسبة المقصرين كأساسات مهمة في معالجة أوضاعنا الاقتصادية اليوم.
ربما حديثنا هذا يأتي متأخراً جداً، فحين نتكلم عن الحلول التي يمكن لها أن تصلح أوضاعنا الاقتصادية يجب أن يكون فيما قبل الأزمة المالية، أمَّا بعدها، فإن الحديث عن هذا الأمر يعدّ ترفاً من التنظير البارد، لكننا نؤكد أن النقد في كل الأحوال يمكن أن يكون درساً للمستقبل.
هذا الوعي بأهمية النقد الصارم لأجل بناء الدولة، لا يمكن أن يقابله الكثير من التلميع والتطبيل لمؤسسة رسمية أو لمسؤول يحمل صفة شرفية في إحدى وزارات الدولة، فالكثير من الأخطاء الاقتصادية والخطط المالية الاستراتيجية كانت بسبب جرعات التلميع الزائدة في الفترات السابقة، بل هناك الكثير من مكاتب العلاقات العامة عندنا تصر على انتهاج هذا المنهج السطحي والخطير في معالجة الوضع الاقتصادي وغيره بشكل يبعث على «القرف»، فتستمر في منهج التطبيل وعدم قبول الرأي الآخر، وترفض النقد البناء بطريقة قاسية، مما يعني أننا أمام مجموعة من المعوقات الاقتصادية لعل من أبرزها وأهمها هي صدود المسؤول عن سماع ما لا يستقيم مع هيبته الزائفة، والأمر الآخر هو تمويل مصادر التطبيل أو ما يسمى بمكاتب العلاقات العامة بكل الإمكانات التي تجمِّل الأخطاء وتخفي الحقائق.
يجب تصحيح أوضاع بعض مؤسسات الدولة التي تستنزف موازناتها بطريقة غير لائقة وغير صحيحة، كما يجب ترشيد الدعم الرسمي لإدارات العلاقات العامة التي لا تستطيع تقبل النقد، خصوصاً من طرف الإعلاميين والصحافيين، وصرف تلكم الموازنات الضخمة على أمور تعود بالنفع على المواطنين وعلى مصلحة الوطن بدل أن تستهلك للتلميع الفارغ.
يجب أن ينتبه الوزراء إلى ضرورة ما يجري في أوساط مؤسساتهم التي يديرونها، وأن يقرؤوا الصحف اليومية لمعرفة نبض الشارع، كما عليهم أن يستمعوا ويتابعوا بقية التفاصيل المهمة التي تطرحها وسائل التواصل الاجتماعي لتقويم أدائهم، وهذا ما لفت انتباهي في بعض دول الجوار، إذ إن تلكم الوسائل الحديثة تصنع الفارق في أداء المسؤولين، بينما الكثير من المسؤولين عندنا لا يملكون حسابات رسمية في «تويتر» و«فيسبوك» وبقية الوسائل الأخرى، مما يعني أنهم يعتمدون على مكاتب العلاقات العامة فقط في استقصاء المعلومات دون سواها.
يجب على الدولة أن تلزم المسؤول بأن يتفاعل مع المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يستمع لرأيهم ويتقبل النقد بصدر رحب، فالأداء الضعيف من طرف المؤسسة الرسمية والمسؤول سيؤدي إلى ضعف في الإنتاجية، وبذلك سيتضرر من هذا الضعف كل المواطنين، خاصة فيما تقدمه مؤسساتهم من خدمات أساسية كالأمور المتعلقة بالصحة والتعليم والطرق والعمل. فنحن اليوم نعيش في زمن «الملتميديا» المتنوعة لا في زمن العلاقات العامة.