اقرؤوا التجاوزات والمخالفات القانونية قراءة سياسية إلى جانب قراءتكم القانونية لها، المخالفات بكل أنواعها بدءاً من مخالفات حق التعبير، ومن قضايا وشكاوى السب والقذف والتشهير مروراً بالمخالفات المرورية والبلدية، وانتهاءً بمخالفات المؤسسات المدنية ... إنها فوضى وليست هناك فوضى خلاقة.
ما هي الفوضى الخلاقة التي يسعى لها مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ هي «كفر» الناس بالمؤسسات وبالقانون في دولها والخروج عليهما وعلى ضوابطها أي على المؤسسات والقانون، أي الخروج على الدولة ، فالدولة ما هي سوى مؤسسات وقانون ولا شيء آخر غير ذلك، فكل أمور حياتنا تنظمها هذه المؤسسات وهذا القانون حتى لا تتحول حياتنا إلى «فوضى»، فإن كفر الناس بها ولم يؤمنوا بها لجؤوا للشارع وكسروا القانون، ولم يعترفوا لا بقانون وبمؤسسات إنفاذ هذا القانون فإن هذا ما يريده «المشروع الشرق أوسطي الجديد»، القائم على أن «الدول» العربية دول صورية هشة ليس فيها مؤسسات وليس فيها قانون والناس ساخطة على هذا الوضع، فلتسقط هذه الدولة ولنعيد نحن ترتيب أوضاعها!!
وبدلاً من تقوية جبهتنا الداخلية أي تقوية مؤسساتنا وقانوننا ليكونا حصناً لمجتمعاتنا تغنيه عن اللجوء للشارع، نقوم نحن بأيدينا وبأنفسنا بإضعاف هذا الحصن وتصوير الأمر على أن الحل والربط لا يكمن في هذه المؤسسات، إنما هو بيد النظام، فإن أراد المواطن محاسبة وزير عطل عن ممارسة حقه، وإن أراد المواطن انتقاد الحكومة عطل عن ممارسة حقه حتى وإن كان ضمن الضوابط القانونية للمؤسسات وضمن الأطر الدستورية.
فإن الرسالة التي تصل للمواطن أنه في حال عجز هذا المواطن أن يصل إلى النظام فإن مشاكله ستظل عالقة وموقفه من الحكومة لا يعالج إلا بتدخل من أعلى سلطة فقط، أما المؤسسات الموجودة فلا داع لها، فهل هذا المسج هو الذي نريد إيصاله للناس؟ ليس الحل أن نمنح النظام كل «الكريدت» بل الحل أن نمنح المؤسسات «الكريدت» أيضاً حتى تكون للمواطن ملجأ بدلاً من الشارع.
قبل الحديث عن البوادر والمؤشرات والملاحظات التي على الدولة أن ترصدها مبكراً للفوضى، أود أن أؤكد أن الدول المستقرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، هي الدول التي لدى أنظمتها «أدوات رصد» شفافة جداً وصريحة جداً ولا تخفي ولا تجمل ولا تزين ولا «تعالج» الصور القبيحة بالفوتوشوب، بل تنقل جميع الملاحظات كما هي لأصحاب القرار، كي يكونوا على بينة وعلى اطلاع تام ولا يؤخذوا على حين غرة.
من يقرأ الأرقام ويقدم التقرير والتحليل عليه أن يكون ذكياً عالماً بالمتغيرات التي تطرأ على هذا المزاج ومؤثرات هذا التغيير المحلي والإقليمي والدولي، فذلك عمل يحتاج دوماً لأشخاص لا يعرفون المجاملة ولا يعرفون غير قول الحق حتى لو كان مزعجاً، بل إن الأنظمة المستقرة تستعين بمثل هؤلاء حتى لا تؤخذ على حين غرة!!!
وليست كل الأدوات محصورة بالاستخبارات وأجهزة الأمن الوطني فحسب، بل لابد أن تكون هناك آليات وأدوات لرصد «المزاج العام» للشارع، ولديها أدوات وآليات لتحليل النتائج والوصول إلى قراءة للأرقام، ومتابعة التطورات متابعة لصيقة بالشارع وبمزاجه، فالقراءة التحليلية أهم آليات الرصد وتقدم للأنظمة ولأصحاب القراءات.
كما إن النظم المستقرة هي التي يقرأ أصحاب القرارات فيها هذه التقارير بتأنٍ وبصبر وبطول بال ومنحها الوقت الكافي من الدراسة والتمحيص ويتباحثون ويتدارسون يومياً كيفية معالجتها وتدارك بوادر الخطر فيها قبل أن تستفحل.
ونكمل في الغد ...