الوقت الذي يضيعه ذلك البعض في ما صار يطلق عليه «استذكار ما حدث في فبراير 2011» لا يسهم في حل المشكلة، ولا يوصل إلى أي مفيد، فالمواطنون لم يعودوا يهتمون بالكلام ولم يعودوا قابلين للتأثر بالشحن والتحريض الذي تعود ذلك البعض على ممارسته خصوصاً في هذه الفترة من العام، والكلام المكرر الذي يتم ترديده عبر الفضائيات «السوسة» لا يحقق إلا أمراً واحداً هو إخراج شحنة غضب عالقة في نفوس المتحدثين تفرح قلة من البسطاء، أي أن ما يتم لا يعدو كونه عملية تنفيس لا توصل إلى المكاسب التي ظل الناس ينتظرونها قبل أن يكتشفوا أن من وعدهم بها لم يكن بالقوة التي تصوروها، لا منطقاً ولا مادة.
الأفضل من كل هذا هو التفكر في الحلول التي ترضي الجميع وتعين على طي صفحة امتلأت بالأحداث التي لا يستحقها شعب البحرين المسالم والقنوع. كل ما يدعون إلى القيام به في هذه الذكرى لا قيمة له ولا يتسبب إلا في المزيد من تعقيد المشكلة والتسبب في أذى الناس. ما ينفع الوطن والمواطنين الآن هو العمل على إيجاد الأرضية المناسبة التي تتيح للعقل الفرصة ليمارس دوره. الأفضل من كل ما يدعون إليه هو التواصل مع الأطراف ذات العلاقة بغية الإسهام في التوصل لمشروع يتم الاتفاق عليه ويكون قابلاً للمناقشة والدرس والبحث ويمكن أن يوصل على الأقل إلى مرحلة «التبريد» التي تدعو إليها بعض الجمعيات السياسية.
ما تتم الدعوة إليه حالياً ويشحن به العامة يتسبب في مزيد من تعقيد المشكلة وينسف كل جهد ربما يكون قد تم في المرحلة السابقة ولم يعلن عنه، ودغدغة العواطف لا ينتج عنها إلا الصراخ الذي لا يفيد، وترك الجمعيات السياسية الساحة لذلك البعض كي يفعل ما يريد في هذه الفترة يضعفها أكثر ويقلل من قيمتها لدى الحكم. المنطق يفرض على الجمعيات السياسية العمل على وقف ما يخطط له ذلك البعض وما يعتزم تنفيذه في هذه الذكرى، كما يفرض عليها أن تتنادى لتتفق على مشروع سياسي يشجع الحكومة على اتخاذ خطوات تزيد من مساحة التفاهم بينهما.
سكوت الجمعيات السياسية عن ذلك البعض وتركه يفعل ما يريد خصوصاً في هذا الشهر الذي يعتبره محركاً ومفتاحاً ومعيناً على إعطاء ما يزعم أنه «ثورة» المزيد من الزخم يظهرها وكأنها موافقة على ما يقوم به ذلك البعض وما يدعو إليه ويقلل من فرصتها في ممارسة العمل السياسي الذي هو الطريق الطبيعي لحل المشكلة. لا بد لهذه الجمعيات أن تخرج من دائرة «الحياد» وتقدم ما ينبغي أن تقدمه، وأول ما تقدمه هو إعلان موقفها من تلك الدعوات السالبة والعمل على منع ذلك البعض من الاستمرار في هذا النهج غير المفضي إلى نتيجة ومن ثم الاتفاق على مشروع وطني لن تتأخر الحكومة عن دراسته وربما الموافقة على اعتماده كأساس يعين على العودة إلى طاولة الحوار، التي لا بد من إعادة نصبها طال الزمان أم قصر، فلا سبيل لحل هذه المشكلة سوى الحوار الذي لا يفهمه للأسف ذلك البعض الذي لايزال يعيش في أحلام اليقظة ولايزال يعتقد أنه قادر على التحكم في العامة.
ما ينبغي أن تتأكد منه الجمعيات السياسية أيضاً هو أن ذلك البعض الذي يدار من الخارج ويتلقى تعليماته عبر الفضائيات «السوسة» لا يعترف بها ويعتبر كل ما تقوم به فارغاً من أي قيمة بل يعتبرها «عميلاً للحكومة وأنها تعمل ضده وضد الوطن».
مثل هذا البعض الذي هو هكذا لا بد أن تتخذ الجمعيات السياسية منه موقفاً كهذا لأنه يخرب عليها ويدمر كل عمل تقوم به.