أكثر الأشياء إيلاماً، هي تلك التي تدفعك لخذلان الناس، وتخييب أملهم وظنهم بك، خاصة إن كانت خيبة الأمل هذه تأتي بعد وعود قدمت لهم، وبعد «حلف» بأغلظ الأيمان لهم بأن أمورهم ستكون هماً لنا بسببه لا ننام الليل، أو أن الانتصار لحقوقهم ومطالبهم سيكون شغلنا الشاغل، والطريق التي لا نحيد عنها. لذلك دائماً ما نقول، بأن عملية تمثيل الناس ليست «رفاهية»، عملية التمثل بأصواتهم وهمومهم والتحول لنبض لهم ليست «ترفا»، وأن أخطر جريمة ترتكب بحق الناس هو اللعب بمشاعرهم، ونسيانهم.
وعليه حينما ننتقد أداء مجلس النواب فإننا نتحدث من هذا المنظور، أنتم من وعد الناس وليس نحن، أنتم من أعطاهم الشعارات الانتخابية الجميلة والرنانة وكررتموها وطرزتم بها خيامكم ومقاركم الانتخابية، أنتم من قال بعضكم صراحة بأنه دخل البرلمان وترشح له ليكون «صوت» الناس و»نبض» المواطن، بالتالي أنتم من حددتم لنفسكم خارطة الطريق التي يفترض ألا تحيدون عنها أبداً، ونصبتم المواطن أساساً لكل مشاريعكم، بحيث لا تحيد بوصلتكم عنه. فهل هذا ما تحقق؟! لا تسألونا نحن كوننا مراقبين، وكوننا سلطة رابعة يفترض أنها تراقب وترصد وتنتقد الخطأ، بل أقلها اسألوا من صوتوا لكم، اسألوا من تعشموا فيكم الخير، اسألوا من أوصلكم لهذه الكراسي، اسألوهم، هل أنتم راضون عنا؟!
اعتبروا أنفسكم مثل الشركات التي تقدم خدمات، أو القطاعات والجهات الخدمية، حيث من المفترض أن لديهم حرصاً على قياس مدى رضا العميل أو الزبون، وبناء على المعطيات وردود الفعل التي يتحصلون عليها، يبنون سياستهم، ويصححون مسارهم، ويأتون بالجديد بهدف نيل رضا المتعامل، ونيل رضا من وثق في منتجاتهم أو خدماتهم. أنتم كنواب شعب حالكم مشابه لهذا الحال، قوتكم تكمن في رضا الناس عنكم، في ثقتهم بكم، في إيمانهم بأنكم بالفعل صوتهم الذي يجب أن يصل، وأنكم خط الدفاع عنهم، لكن حين يصابون بالخذلان وخيبة الأمل، ليس الحل بأن نطالبهم بالسكوت والقبول بالواقع، أو نحاول منع الصوت من الظهور والتعبير، بل الحل هو بمراجعة النفس وتقييم الأداء، وإقران العمل بما رفع من شعارات.
كل مؤسسة أو كيان ناجح لابد وأن تكون له استراتيجية واضحة، لابد وأن تكون له فلسفة عمل صريحة، لابد وأن توضع أهدافه منذ اليوم الأول، وهي التي تنبثق من الهدف الأول العام لتتفرع إلى أهداف لكافة الأقسام وصولاً للفرد نفسه، فهل لدى برلماننا الموقر هدف صريح واضح، وهل لدى نوابنا أهدافهم التي لابد لهم من تحقيقها، بحيث يكون العجز عن تحقيقها فشلاً وإخلال بالواجب؟! لا تزعلوا من الكلام القاسي، فالإشادات حين تتوالى على قطاع وأفراد بعينهم، فإنما هي تأتي نظير شيء إيجابي تحقق، وتأتي لقاء عمل حظي بقبول الناس وحقق رضاهم. أليس ولي الأمر يفرح بابنه حينما ينجح ويتفوق ويتميز، ويكون في المقابل ممتعضاً مستاء وحتى غاضباً لو فشل وأخفق، وكان سبب الإخفاق تهاونه أو تقاعسه أو إهماله؟! هي نفس الأمثلة الواقعية التي يمكن تطبيقها والقياس عليها. بالتالي حينما نتجاهل الهدف الرئيس من عملنا وهو المواطن، بالتأكيد فإننا سنخل بتحقيق الأهداف التي وعدناه بها، وحينها يجب أن نتقبل اللوم والعتاب وحتى التعنيف، فنحن من فشلنا في ترجمة وعودنا إلى أفعال، وهنا لننتبه إلى أن المواطن ليس معنياً بالأسباب التي أدت لعدم تحقق الأهداف، هو الذي تم تقديم الوعود له، بالتالي أية معوقات ومعضلات هي مشكلتكم، أي تصادم مع السلطة التنفيذية وأي تشريعات مقيدة هي مسؤوليتكم لحلحلتها وحلها. في المقابل لا يجوز يا جماعة في ظل وجود نوع من الاستياء أن نعمل بعكس الاتجاه، بحيث إننا نعجز عن تحقيق وعودنا للناس، في المقابل نطرح في مثل هذا التوقيت مقترحات بعيدة كل البعد عن مصلحة الناس، مقترحات هدفها أن نحسن أوضاعنا نحن، أن نعزز من مكاسبنا من المكان الذي أوصلنا الناس له، أن نزيد برستيجنا برستيجاً، وكأن الهدف هو تمييزنا «للأبد» عن المواطن الذي كنا في يوم من الأيام متساوين معه في الوضع والتسميات والتوصيفات. بالتالي مشروع مثل الجوازات الخاصة لأعضاء السلطة التشريعية هل هو من الشعارات التي رفعت للمواطن أيام الانتخابات؟! هل يقع ضمن دائرة مطالبات المواطن وأحلامه وتطلعاته؟! هل رفع أحد منكم كشعار انتخابي بأنه سيعمل على إصدار جوازات خاصة للبرلمانيين؟! والله لو فعلها أحدهم في الانتخابات لما حصد إلا صوته وصوت أقربائه وأصدقائه. والعتب واللوم لا يقع فقط على النواب في هكذا مقترحات فيها من «استفزاز المشاعر» الكثير، بل اللوم حتى على الشوريين الذين يقبلون بانتهاج نفس الأسلوب، وبتقديم أنفسهم على أنهم يعملون من أجل مكاسب خاصة لهم في وقت مكاسب الناس توضع أمامها ألف معوق. وهنا الشكر موصول لعضو الشورى الأخ جمال فخرو لموقفه، فهذا الرجل برز في الفترة الأخيرة متمثلاً بصوت الناس حاملاً همهم متحدثاً في الملفات الحساسة والهامة المتعلقة بالميزانية والدين العام وغيرها، وكلمته لابد وأن تسجل لتذكير كل فرد بسبب وجوده في البرلمان، حينما قال «لا تقللوا من احترام الناس لكم».
احترام الناس لا يتحقق إلا حينما تكون صوتاً لهم، وحينما تعمل دون أن تخيب آمالهم، وحينما تكون على قدر الثقة التي منحت لك. أصلحنا وأصلحكم الله.