في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والراهنة، يكون من المحتم على الدولة أن تستخدم كافة أنواع الترشيد في الإنفاق، ولكن بشكل أقل على كافة أشكال الخدمات المقدمة للمواطنين، وأن تتحرى ما لا يكون مُلْزِماً أن تنفق عليه الدولة بصورة كبيرة إلا في حدود معينة، وأن تتوجه بمبالغ التوفير العامة لاستخدامها في مشاريع حيوية تمس تطوير حياة المواطنين، لترفع عنهم الضغط من جهة أخرى.في هذه المرحلة التي تمر بها الدولة من مصاعب اقتصادية حقيقية، يكون من المهم أن ترتب أولوياتها في قضايا الإنفاق، فكل «فلس» سوف يذهب في أي اتجاه عدا الخدمات، سيكون مراقباً من طرف المواطنين، وسترتفع وتيرة النقد المشروع حيال كل المشاريع التي لا تحمل الأهمية المرجوة في وعي المجتمع، وعليه سيكون إنفاق الدولة على مشاريعها خاضعاً تحت مسطرة الواقع الاجتماعي، وسيخضع تحت ضغط الأولويات ووعي ترتيبها.ليست الدولة وحدها معنية بهذا الوعي فيما يتعلق بقضايا الإنفاق، بل يسري هذا الفهم على كل مؤسساتنا التجارية والمالية وعلى أفراد المجتمع. قد ينتقدنا بعضهم حول مطالبتنا أن يلتزم المواطن بمسائل الترشيد في الإنفاق، لكنه الواقع الذي يجب أن نواجهه بكل صراحة، وهذا لا يعني أن طرحنا يمثل ارتياحاً من طرفنا حول هذه المسألة، لكن لكل مرحلة حركتها الطبيعية سواء كان ذلك في الرخاء أو الشِّدة، كما إن هذا الكلام لا يعني أننا نقبل أن «تتملص» أي جهة من مسؤولياتها حيال الوضع الاقتصادي، كما إن المواطن هو آخر من يجب أن يقوم بدفع الضريبة وليس أول جهة، لكن والوضع الاقتصادي يذهب نحو التقشف ولو بطريقة ملزمة، سيكون على المواطن أن يكون راشداً في الإنفاق.مطالبتنا بترشيد الإنفاق في شكله العام، ربما يزداد في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، لكن هذه البوصلة هي وجهتنا التي نتبناها حتى في أوقات الرخاء، فحين تنفق الدولة على الكماليات والكثير من البذخ حتى في أوقات الرخاء الاقتصادي، وكذلك يفعل المواطن، فنحن لا نتقبل هذا الوعي ولا هذه الثقافة، فما هو مطلوب من الحكومة والشعب، هو أن يكون الإنفاق على قدر الحاجة لكن دون أن يكون هنالك أي تضييق بسبب الترشيد، وهذا يتطلب وعياً رسمياً وشعبياً في آن واحد، فالدول المتقدمة يكون صرفها تحت أعين المُشرِّعة، وكذلك الشعوب المتحضرة تنفق بوعي من أجل المستقبل والأجيال القادمة، وهذا ما يجب أن تتبناه الدولة عندنا ويتبناه الشعب.لا يجب على الدولة أن تحمَّل الناس ما لا طاقة لهم به من حيث الضرائب والنفقات الجديدة إلا بالصورة التي لا تشكل ضغطاً على مستوى معيشتهم، كما يجب على المواطنين في هذه المرحلة أن يقتصدوا ولو بشكل مؤقت حتى تعود المياه الإقتصادية المريحة إلى طبيعتها. التوازن هو شعار المرحلة، حتى وإن كان هذا الوعي ليس على خارطة الجميع، وربما يكون فيه بعض الألم، لكن من الطبيعي أن يكون أمامنا كل الأمل.