إن صديقنا الذي علق على مقالاتي الأخيرة المعنونة بخصوص الموجة الثانية من الفوضى الخلاقة لخلق شرق أوسط جديد والتي أحذر منها من تزايد حدة السخط وسوء المزاج العام، بأنها تبدو وكأن كاتبها من (المعارضة) بل و(المطاردين) منهم، فاته أن من يحذر من الموجة الثانية ليس كمن يبشر بها وكأنه يتمناها, فالفارق بين التبشير والتحذير هو الفارق بين من من يتمنى حدوث الشيء ومن لا يتمناه.
الفارق بين من يشير إلى الفوضى على أنها هي الدمار ومن تمناها لأنها هي الطريق لتحقيق (أحلام يقظته) ولتفادي ردة الفعل الغاضبة عليه، وحتى لا يبدو أنه من المؤيدين لتلك الفوضى الخلاقة التي راح ضحيتها أرواح بشرية وأسقطت دولاً وخلفت الدمار يغير من مسماه فحسب، فيطلق عليه «الشرق الأوسط الانتقالي» بدلاً من «الجديد»، بل يرى أن تعايش (الإثنيات والأقليات والأعراق) لن يتم إلا إذا استقل كل منهم بدولته، وهو تماماً ما يقوم عليه المشروع المشؤوم الذي قالت عنه كونداليسا، أي إسقاط هذه الدول وإعادة رسمها من جديد وفق التقسيمات الإثنية والعرقية، أي دولة للأكراد مثلاً ودولة للشيعة مثلاً ودولة للأقباط وهكذا، وتختفي الدولة القائمة حالياً، فتزول مصر والبحرين والسعودية والكويت والإمارات و..و.. طبعاً إيران خارج المشروع رغم أن بها من الفسيفساء الإثنية والعرقية ما يفوق وجودها في أي دولة عربية، والمعنى في بطن الحوت!!
الفارق أننا نحذر وننبه ونلفت نظر الجميع بدءاً من القيادة ومروراً بجميع صانعي القرار ووصولاً لبقية شرائح المجتمع كافة، من أجل تفادي الوصول إلى هذه النقطة، لمنع تكرار الدمار الذي حاولت نشره المجموعة التي تسمى (معارضة) والتي كانت ضالعة وغارقة في الدفع باتجاهه عام 2011 وفشلت والحمدلله، وهذا التحذير لا يتمنى تكرار وحدوث ما حدث، إنما ها هو منظرهم يبشر بالعودة له من جديد لا من باب التحذير بل من باب التبشير، إذ إنه يرى الموجة الثانية التي ستقود إلى تقسيم المنطقة وفق الإثنيات والأعراق هي الحل، ويظن كما تظن مجموعة (المعارضة) أن هذا التقسيم سيجلب معه الأمن والاستقرار والرخاء للأقليات الإثنية والعرقية!
الفارق بين من يريد أن يصلح ما هو قائم ومن يريد أن يسقط ما هو قائم هو الفارق بين ما ندعو له وبين ما دعت ومازالت تدعو له مجموعة الانقلاب على الدستور، مجموعة (باقون حتى يسقط النظام) هو فارق شاسع بل النقيض تماماً والعكس، حتى وإن جمع بين الاثنين اتفاق على مواقع الخلل واتفاق على تشخيصه، فمن يحمل معولاً لهدم هذا الموقع غير من يحمل عدة الترميم والبناء.
اسأل أي (استاد) للبناء هذا السؤال: حين ترى منزلاً متداعياً ما الفارق الذي يحدد أي من القرارين أفضل؟ بين قرار ترميمه وقرار هدمه وإعادة بنائه؟ سيقول لك إن الفارق هو النقيض تماماً، فالاستاد يدرس أولاً إمكانية الترميم، فيبحث عن الأعمدة إن كانت قوية يبحث عن القواعد إن كانت صامدة يبحث عن التوصيلات ويبحث عن الأسس إن كانت ثابتة، فإن وجدها فإنه سيقرر الترميم ولا يمكن أن يختار الهدم، وهنا يحتاج الأمر لحب لتفان لإيثار وهنا يحتاج الأمر لموضوعية لحيادية، الأمر يحتاج إلى إيمان بأن الجمال موجود، والخير موجود، والإصلاح والترميم ممكن، تمام كمقولة الشيخة مي بنت محمد الخليفة (ليس هناك منزل آيل للسقوط بل هناك منزل بحاجة لمن يحبه أولاً فيرى فيه بادرة أمل).
الحديث يطول عن الفارق بين التبشير والتحذير كما هو الحديث عن الفارق بين الهدم والترميم كما هو الفارق بين من يريد إصلاح النظام ومن يحلم حتى في يقظته بإسقاطه.
وللحديث بقية...