في كل أزمة من أزمات العالم العربي الكثيرة والمتنوعة يتساءل كثيرون، أين مصر؟ وهذا ليس ما نتوقعه من مصر؟ وإن مصر لها دور ثابت ومهم باستمرار ولماذا تراجع الآن؟
ولقد ازداد طرح هذا السؤال بعد ثورة 25 يناير 2011، ثم تجدد مرة ثانية بعد ثورة 30 يونيه 2013. وكنت أسأل نفسي لماذا يرهقوننا بدور مصر في كل مناسبة، ألم يفكر من يسأل السؤال من هذه الدولة الشقيقة أو الصديقة وأين دور بلاده وماذا قدمت هي لمثل هذه الأزمات؟ وماذا قدمت هذه الدولة أو تلك لمصر؟
وأنا أراجع نفسي في مناسبة العام الميلادي الجديد وجدت أن دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية والإمارات والكويت والبحرين قدمت الكثير لمصر في السنوات العجاف التي أعقبت ثورة 30 يونيه ضد القوى الغاشمة التي جندت نفسها للشيطان الأكبر والأصغر والإقليمي والدولي، في حين أن هذه الدول ظلت وفية لمصر مقدرة لدورها وهو ما يقدره كل مصري منصف في نظرته للدول العربية الشقيقة، كما قدمت دول مثل الكويت والأردن ولبنان وربما دول عربية أخرى مساندة سياسية وأدبية كبيرة ليست فقط لمصر بل لقضية اللاجئين من الدول العربية المجاورة لها.
ولقد وقع في يدي كتاب يحمل العنوان الذي اخترته لهذا المقال للأستاذ فتحي خطاب الكاتب السياسي والصحافي القدير يحلل فيه هذه القضية باستفاضة عبر التاريخ ولن نستعرض الكتاب لضيق المساحة ولكن أشير إلى مجموعة من الملاحظات:
الأولى: إن الكتاب استعرض دور مصر في قراءة تاريخية سريعة ولغة وأسلوب سلس وجذاب لا يستطيع من يبدأ قراءته أن يتركه دون الانتهاء منه.
الثانية: إن الكتاب ركز في معظم صفحاته على عناصر القوة المصرية غير المنظورة أو ما نسميه بلغة السياسة «عناصر القوة المصرية الناعمة»، وهي الثقافة والسياسة. وفي نفس الوقت لم يتجاهل القوة الخشنة وهي العسكرية المصرية ودورها عبر العصور.
الثالثة: يحلل المؤلف قضيتين هامتين الأولى «الدور والوظيفة»، والثانية «الدور والقيادة». وهما في تقديري من أخطر القضايا التي تواجهها مصر، ناهيك عن أية دولة أخرى. فالدور يختلف عن الوظيفة، الدور هبة أو محصلة لعناصر وتصورات للقيادة وللتطور التاريخي والموقع الجيوبوليتيكي للدولة، أما الوظيفة فهي مسؤولية محددة وليست من سمات الدول ذات الحضارة. والثانية، الدور والزعامة وهذا يرتبط بتفاعل الزعيم مع حضارة وتاريخ ومقومات كل دولة. وثمة ارتباط وثيق بين الأمرين، فالدور يحتاج لزعامة والزعامة تحتاج لرؤية واستراتيجية لتحقيق الأهداف، وهذه تحتاج لمقومات وعناصر القوة.
الرابعة: ما أسماه المؤلف الحركة البطيئة فوق جسر المتاعب، وهذا يجسد تماماً الحالة التي تعيشها مصر بعد ثورة 25 يناير والتي هي محصلة لعدم إدراك دور مصر في المرحلة السابقة على 25 يناير نتيجة شيخوخة القيادة وضعف رؤيتها وخضوعها لمصالح شخصية وعائلية. أما الضعف الراهن أو بطء الحركة الراهنة فمرجعه بحق كما ذكر المؤلف جسر المتاعب والصعوبات والتحديات وفي مقدمتها، عدم إيمان قوى معينة بمفهوم الوطنية المصرية ومحاولتها طمس هذا الدور، وهذه الهوية لمصلحة رؤى هلامية، لا وجود لها أو بالأحرى جرى تشويهها وقراءتها قراءة خاطئة، وتنتمي إلى الماضي.
الخامسة: خصص الباحث فصلاً بعنوان «تصورات حول دور مصر»، ويستعرض الكاتب أطروحات مفكرين وسياسيين عرب مثل الأمير الحسن بن طلال، إلى المفكر أنور عبدالملك، إلى الباحث نبيل عبدالفتاح، والدكتور جلال الدين أمين، إلى تقارير عدة مراكز أبحاث دولية منها مؤسسة «ستراتفور» الأمريكية في يونيه 2007 التي أشارت فيه لتراجع دور مصر كزعيمة للمنطقة لصالح المملكة العربية السعودية.. وللحديث صلة.

* خبير في الدراسات الاستراتيجية الدولية