خلال فترة الدراسة بالمرحلة الابتدائية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، «وأنا ممن بات اليوم يُصنف على استحياء من فئة «الشباب»!»، في إحدى مدارس العاصمة المنامة، كان هناك من الطلبة من يتلقى خبر غياب مدرس ما عن حضور الحصة «وخاصة إن كان أحد مدرسي المواد الثقيلة كالرياضيات!»، كمن تلقى خبر إدراج اسمه ضمن لائحة الشرف للطلبة المتفوقين! فغياب المدرس عن الحصة كان يعني التعويض – في الغالب – بحصة رياضة وتحديداً كرة القدم. وهذا ما تم يومها فقد حضر للفصل استاذ التربية البدنية، وطلب منا التوجه بمعيته إلى ساحة المدرسة التي بها ملعب كرة القدم، وهناك طلب منا الأستاذ الاصطفاف جميعاً في خط أفقي واحد ليسهل عليه تقسيم الطلاب إلى فريقين. فإذا فجأةً بصوت يخرج من بيننا فيه نبرة من الحماسة «الغبية» ويصيح بما زلت أتذكره، «أستاذ.. ليس هناك من حاجة لتقسيمنا إلى فريقين.. نحن سننقسم ونلعب فريق شيعة وفريق سُنة»!!.. أعلم أن معرفة «مذهب» هذا الطالب قد يكون الشغل الشاغل عند بعض القراء الآن.. تفضل يا عزيزي.. «شيعي»!، ولكن مهلاً.. فاعلم أيضاً أن «مذهب» المدرس كان «شيعياً».. فيا تُرى كيف كانت ردة فعله؟! كما فاجأنا حينها الطالب بما قال، فقد ذُهلنا بما قام به المدرس بعدها، الذي ما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته في الطالب مشيراً إليه أن يخرج من بيننا ويتقدم نحوه، وما أن مثل الطالب أمام المدرس حتى انطلق لسان المدرس كأشرس ما يكون عليه تأنيب الأب الذي أعياه عظم جُرم ابنه! وبعد أن هدأ المعلم، طلب منا تشكيل دائرة تحيط به، وهو يتأبط في إحدى جانبيه بطريقة أبوية حميمة «الطالب» الذي كان قبل قليل يتلقى منه «فاصل تهذيب»! وخاطبنا ولم يزد الأستاذ على هذه الجملة، «إياني وإياكم أسمع واحد منكم مرة ثانية يقول «سنة وشيعة».. كلكم أخوان.. وكلكم مسلمون». وهكذا استكملنا باقي الحصة – وباقي المرحلة الدراسية – في لعب كرة القدم كإخوان مسلمين.. ليس على طريقة «حسن البنا»! بل على طريقة «حُسن البناء» الأخلاقي في المدرسة.
هذه القصة أوجهها اليوم لمن «فاحت ريحة» طائفيته في وطن قدِّر له منذ أكثر من 6000 عام في أن يكون واحة للتعددية والتعايش. هذه القصة أوجهها لمن سعى ويسعى إلى نقل العقول والقلوب من سعة «الوطن» إلى ضيق «الطائفة». هذه القصة أوجهها إلى كل معلم رأى في تغذية عقول وقلوب الشباب بحب الوطن وأخوانه في الدين والوطن «عبئاً إضافياً» ضمن واجباته! وأخص معلم «الدين» الذي لم يُفهم الطالب السُني والشيعي كُنه حقيقة قول الحق عز وجل، «هو الذي سماكم المسلمين»، هذه القصة أوجهها لـ «وكلاء إبليس» في «داعش» و «حالش» – وسمِ ما شئت من قبح المسمى والمضمون - وأقول لهم، لن تكسبوا شيئاً من وراء شبابٍ غررتم به ليخرج إما «أنصاف عرايا ورجولة» وهو ملثم في جنح الليل ليحرق ويخرب هنا وهناك أو من شبابٍ نسفتم دنياه وأخراه بحزام!
ورفعة عقال واجبة هنا لمن سهر ويسهر لكي ننام ونصحوا على وطن شجاع، أشاوس وزارة الداخلية وسائر الأجهزة الأمنية.
يحكي المفكر العراقي الراحل المعروف علي الوردي، هذه القصة، «كنتُ في أمريكا ونشب نزاع عنيف بين بعض المسلمين عن «علي وعُمر»، وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة. فسألني أمريكي تواجد هناك عن علي وعُمر: هل يتنافسان الآن على الرئاسة عندكم كما تنافس ترومين وديوي عندنا؟ فقلت: إنهم كانوا في الحجاز قبل 1300 سنة، والنزاع الحالي حول أيهم أحق بالخلافة! فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد أن يستلقي على قفاه، وضحكت معه ضحكاً فيه معنى البكاء.. وشر البلية ما يُضحك».
قبل الختام.. قُمت متعمداً بتكرار كتابة العنوان مُقدِّماً في كل مرة مذهباً على الآخر، وأكاد أكون على يقين بأن هناك من سيقرأ المقال ويتساءل.. لماذا لم يُقدِّم «الشيعة» قبل «السُنة» في أول مرة؟!، ولن أجد لمثله حينها إلا كفعل سميي «علي الوردي».. ضحك فيه معنى البكاء!
* آخر طلقة:
ثلاث رسائل، الأولى، وقفة تبجيل لكل معلم أدّى واجبه الوطني قبل التربوي والتعليمي تجاه طلابه، الثانية، «البحرين» لها من اسمها نصيب، وطن قام على «الثنائية»، يعني «التعددية منه وفيه»، الثالثة، المقال «للطائفيين فقط»!