مجلسنا النيابي في أضعف حالاته الآن وليس من صالح البحرين أبداً هذا الضعف، فإنه عامل مهدد للأمن الوطني، كما إنه ليس من صالح البحرين الآن حل المجلس وإعادة الانتخابات فالوضع لا يحتمل هز المركب في هذه الأوقات، الأهم من صالح أي نظام سياسي أن تكون له نظرة مستقبلية للاستقرار وذلك يتحقق أن يدخل المجالس الانتخابية المستقبلية أعضاء أقوياء على السلطة التنفيذية وولاؤهم للدستور لا يشكك فيه أبداً، يكتسبون وينمون مهاراتهم ويراكمون خبراتهم، فهل نرى في أي من أعضاء هذا المجلس ممن له مستقبل سياسي؟!!
من صالح البحرين، الأم والوطن، ومن صالح النظام السياسي، ومن صالح أمن البحرين الوطني النظر في إمكانية تقوية المجلس فيما تبقى من هذا الفصل التشريعي، المجلس بكافة أعضائه بحاجة إلى وقفة مراجعة ومصارحة وإنهاء الصراع والحرب الدائرة بين الأعضاء بعضهم البعض وبين الأعضاء والرئيس، إذ يبدو أن لا أحد منهم ينظر للصورة من الخارج وهي صورة لا أحد من المواطنين معني بمن السبب فيها. البحرينيون ينظرون للمحصلة النهائية الكل ينظر للنتيجة وهي نتيجة غير مشرفة ويؤسفني هذا القول، فللجميع أملك الحب والتقدير والاحترام، إنما أصبحتم خطراً على الأمن الوطني وفقدتم مصداقيتكم فلم يعد أحد يفرق بين الصالح والطالح منكم.
ومخطئ أي نظام سياسي إن اعتقد أن مجلساً كهذا يجعل نظامه مستقراً أو مرتاحاً، بل مخطئة أي حكومة إن ظنت أن إبعادها عن الرقابة بمجلس منشغل عنها هو فرصة لاستقرارها وتحسين أدائها، لا أحد يكسب من هذا الانحدار الذي أصاب أداء المجلس النيابي إلا من يتربص بالدولة وبأمنها واستقرارها. ومن يتربص بالنظام السياسي لإضعافه وتجريده من مصادر قوته وأسلحته.
تقوية المجلس النيابي بتفعيل أداوته وسلطته الرقابية على الحكومة واحدة من دعائم الاستقرار لأي نظام سياسي خاصة الأنظمة الملكية، حيث يدار الاختلاف السياسي ضمن هذا الملعب الدستوري بعيداً عن الحكم، والعكس صحيح، إذ إن ضعف هذا المجلس سيمد شرر إدارة الاختلاف إلى خارج هذا المجلس ويجعل شرره يتطاير ليصل للنظام بحد ذاته، هذا ما أدركه النظام الأردني والنظام المغربي، فأبعدوا شرر الاختلافات والصراعات عن دائرة الحكم وحصروها داخل الملعب البرلماني بين السلطة التنفيذية والتشريعية.
المجلس النيابي حمى البحرين والمغرب والأردن من ارتدادات الربيع العربي، وجوده بحد ذاته كان حائط صد وقف أمام محاولات التدخل في الشأن الداخلي، لهذا استماتت الوفاق ومعها مجموعة الانقلاب على الدستور في الترويج «لصورية» المجلس، فهذه المجالس تمثل الإرادة الشعبية ومن الصعب تجاوزها، فكان وجود الحياة الديمقراطية في البحرين وعمودها الفقري مجلس نيابي منتخب أحد أهم الدفاعات التي تصدت بها البحرين خاصة في نسبة الانتخابات الأخيرة حيث تربصت القوى التي تريد أن تسقط الدولة بهذه النسبة وانتظرت «التصفير» الذي «بشر» به نائب المرشد الإيراني، كي تنقض على البحرين بادعاء أن الشعب قاطع الصناديق ولا يجد من يمثله فيها، فكانت المشاركة واحدة من أسباب هذا التراجع الدولي عن التدخل والإقرار رغماً عنه بإرادة شعب البحرين.
من غير الذكاء أن يضعف المجلس كاختصاصات وكأداء وكمستوى أعضاء وكفاءاتهم، ولا يعتقد أي نظام سياسي أنه انتصر وارتاح واستقر بإضعاف هذا الملعب الشعبي الذي يمكنه من إدارة اختلافه مع الحكومات، إذ إن ضعف هذا الملعب سينقل الثقل له، سيجد الحكم نفسه منشغلاً ومغموساً بإدارة حتى الاختلافات الصغيرة ومطالباً بالتدخل لحل كل كبيرة وصغيرة، صحيح أن «الكرديت» سيذهب للنظام إن نجح في حل الإشكالات ولكن المشكلة أن سخط الناس على فشل أي حل لن يقف عند النواب بل سيمتد ليصل للنظام لأنه هو من أصر على إبقاء كل الخيوط عنده.
لا يختلف كثيراً نصنا الدستوري عن المغربي والأردني إلا بالمساحة التي منحت للسلطة المنتخبة في الرقابة على السلطة التنفيذية، فأغلب الاختلافات نراها في اللائحة الداخلية أكثر منها في النص الدستوري، حيث سلبت اللائحة بعض البنود الاختصاصات والسلطات التي منحها الدستور للغرفة المنتخبة مما أضعف الاختصاص وجرد الحق من جوهره!
كما نرى أن خطوات تقوية المجلس لو أردنا تقويته ممكنة وليست صعبة، فيمكننا تعديل اللائحة دونما حاجة لإجراء تعديلات دستورية تعيد للمجلس قوته المطلوبة، (البند الدستوري الوحيد الذي لو كان بيدي تغييره لتقوية المجلس وتعزيزه بالكفاءات هو بند شروط المرشح التي أرى أنها بحاجة للتشديد في المستوى الأكاديمي خاصة في ظرف كالذي نمر به).
جلسة تجمع النواب بالرئيس خارج المجلس بإمكانها إزالة الكثير من الشوائب العالقة بينهما، وقليل من الإيثار وحب البحرين أولاً من الكتل السياسية الموجودة داخل المجلس خاصة الأصالة ذات الثقل الأكبر بإمكانه زحزحة الكثير من الجدران الزجاجية بينهم.
ابتعاد النظام عن إدارة الخلافات بين القوى السياسية ونزع الوصاية «المعنوية» عن الرئاسة والأعضاء سيرفع عنهم الحرج، فالكلفة السياسية والمادية أحياناً لهذه الوصاية أضرت بالنظام حين أضعفت المجلس وجعلته تابعاً بهذا الشكل.
إن إزالة هذه العوائق وهي إزالة ممكنة وغير مكلفة بإمكانها أن تعيد انطلاقة المجلس من جديد دونما كلفة سياسية أو مادية للنظام.
تذكروا 2018 قادمة كالبرق والمجلس سيبقى والدستور سيبقى والانتخابات ستجري ولكن بعد هذا العبث الذي جرى في السنوات الأربع من 2014 إلى الآن بصورة المجلس المنتخب، بعد قصر النظر الذي جعلنا لا ننتبه إلى الأضرار التي ستلحق بنا مستقبلاً من إضعاف أداوتنا بأنفسنا وتجريد أنفسنا من أسلحتنا، من تعتقدون سيدخل الانتخابات؟ وما هي أدوات النظام حينها لحفظ الانضباط والاستقرار والارتقاء بالأداء العام داخل وخارج المجلس؟ الجواب متروك لسعادتكم أعزائي القراء!!