نعم عزيزي القارئ، هذه كلمات «غير مهذبة» نسمعها في شجارات الشوارع، ويعاقب عليها التلاميذ لو صدرت في المدارس، لكن أن نسمعها في مجلس النواب، فهذه كارثة ما بعدها كارثة.
مع احترامي الشديد لكل أعضاء مجلس النواب كأشخاص، لكن ما حصل في الجلسة الأخيرة «سقطة»، بغض النظر عن الأشخاص، وبغض النظر عن الملابسات، فإن ما حصل أمر لا يمكن معه كمواطنين أو ناخبين إلا أن نستغرب ونعبر عن استيائنا الشديد.
يا جماعة، خلافاتكم حلوها بينكم، حلوها خارج الجلسات، فالوقت الذي يضيع على مثل هذه المهاترات هو وقتنا نحن المواطنون الذين انتخبناكم، ما يحصل وتتناقله وسائل الإعلام مشاهد غير حضارية، هي تحط من قدركم في عيون الناس، في الوقت الذي يفترض أن تطالعونهم بعكس ذلك.
وهنا يجانب الصواب أي نائب سيلوم وسائل الإعلام والصحافة لنقلها هذا «الأكشن السلبي» الحاصل، إذ تذكروا دائماً بأنه مثلما مهمتكم مراقبة أداء الحكومة والوزراء ومحاسبتهم، فإن الإعلام يراقبكم والناس تراقبكم، تراقب كل هفوة وكل زلة وكل انحراف عن مسار العمل المفترض أن يكون لخدمتهم وتنفيذ وعودهم الانتخابية.
بصراحة ما يحصل اليوم من تصرفات غير مسؤولة، وانفلات للأعصاب، وصولاً لمستوى السباب وحتى إمكانية الضرب، كلها أمور تؤثر على الناس وعلى نظرتهم تجاه البرلمان، ولا تلومونهم، فلا أحد ذهب لينتخب شخصا يطالعه بعد وصوله للكرسي بهكذا تصرفات، أو مواقف تخذل الناخبين.
هذه المشاهد تضعف ثقة الناس في البرلمان، والمشكلة هنا بأن الناخب لن يقف لحظة ليفرق بين البرلمان كمؤسسة تشريعية لها هيكلها ونظامها وأساس لإنشائها، وبين النواب كأشخاص وأفراد لهم تصرفاتهم التي يتحملون مسؤوليتها.
لا تسيئوا أكثر للتجربة البرلمانية، ولا تشوهوا الصورة أكثر في عيون الناس، ولا تجعلوا السوءات تتصدر المشهد الإعلامي عنكم، ليس لهذه الأمور انتخبناكم، وليس لهذه الأمور ذهبنا لنصوت، وليس لهذه الأمور قلنا للناس بصوتكم تستطيعون واذهبوا للصناديق لتغيروا وتساهموا في التغيير، وأيضاً لتكسروا شوكة الكاره والحاقد على الدولة وطبعاً الانقلابي.
للأسف، في فصل تشريعي تطالعنا مثل هذه الأمور، أتذكر الفصل التشريعي الأول قبل عقد من الزمن وكيف أن إحدى الجلسات تحولت لحلبة مصارعة وتطايرت «عقل» وتبودلت «لكمات»، وظننا بعد مضي سنوات أنها مرحلة وتعدي، وأن التجربة ستنضج بنضوج ممارسيها والمسؤولين عنها من مشرعين، لكن للأسف ها هي السنوات تمضي، وتظل تطالعنا نفس التصرفات المخجلة.
يا جماعة والله أنتم أكبر من هذه الأمور، أنتم نواب تمثلون الشعب، يفترض أن تكونوا مثالاً يحتذى به الشعب، والله أننا نعبر عن استياء حقيقي للناس لمثل هذه الأمور، والله عيب، ولا يحق لكم الزعل هنا، نحن المفترض أن ننزعج منكم حينما تفشلون في ضبط أنفسكم وعدم التحمل لأجل الناس.
والله لا أعرف ما أقول وأكتب وأزيد، المشهد كله يمكن تلخيصه في كلمات، لكن رأي الناس وانزعاجهم واستيائهم، وما يعبرون عنه من ملاحظات، والله تحتاج كتباً ومعلقات.
المصيبة حينما يطالب النواب بصلاحيات أكثر تصب لصالحهم، حينما يطالبون بمزيد من التقليص لصلاحيات الشورى، والله مجلس الشورى أثبت بأن فيه عقليات توزن بالذهب لما تطرحه، أقول مصيبة، إن اقتصرت الصلاحيات في مجلس لا يستطيع ضبط انفعالاته وبدلاً من أن يتصارعوا مع الحكومة لأجل المواطن، يتصارعون بين بعضهم البعض.
والله ملاحظة قالها الناس، مفادها بأن مثل هذه «الهوشات» التي تحصل، لو حصلت بين النواب ومسؤولي الوزارات والقطاعات الحكومية لكان وقعها «أخف» و»أهون» إن كانت لأجل الناس، مع أنها أساليب غير حضارية ولا يتوافق عليها العقلاء.
لهذا نقول بأن الحكومة بوزرائها ومسؤوليها تقف على أرضية أقوى من النواب، وتنجح دائماً في المضي بخططها ومشاريعها ومطالبها التشريعية حتى لو رفض النواب. إذ هل رأيتم وزراء في مجلس الوزراء يتقاتلون ويتبادلون الشتائم ويهمون بضرب بعضهم البعض؟! هل رأيتم وزراء يهاجمون بعضهم البعض على صفحات الجرائد؟! هل رأيتم وزيراً يقول لآخر «باكسر ضروسك»؟!
والله يسودنا هم من هكذا أمور، نتابع الجلسات كل أسبوع علها تحمل للناس أموراً طيبة، فنصدم من بعض التصرفات التي تسيء لشكل المجلس وتصوره وكأنه «ساحة فتوات» أو «حلبة مصارعة».